ها قد تبين أن مجزرة غزة، تستند مثل الغالبية الساحقة من الحروب التي يشنها قوي على ضعيف، على كذبة! كذبة “المخطوفين الثلاثة” الذين سارعت حماس بإنكار علاقتها بهم (1) ولم تعترف بخطفهم كما يفترض من مثل هذه العمليات إن كان يرجى منها شيء. وكان من السهل على أي عاقل أن يشكك بأن تقوم حماس بنفسها بإثارة رد الفعل ضدها في هذا الوقت الحرج، حين وقعت للتو اتفاقاً مع حكومة عباس التي تعلم أنها ستقف بالضد من مثل تلك العملية بكل قوة.
ثم تبين للعالم أن هؤلاء الثلاثة قد قتلوا (في 12 حزيران) ولم يختطفوا، وأن إسرائيل كانت تعلم من قتلهم، لكنها لم تسارع للقبض على المتهمين أو توزيع صورهم، لأن ما كانت تريده وتنتظره بشوق، هو أن تشن مذبحة جديدة على غزة لتحطيم الإتفاق الذي تم التوصل إليه بين الفصائل الفلسطينية. لذلك فقد كذبت على الإسرائيليين وحتى على أهالي الضحايا وعلى الرؤساء "الأصدقاء" الذين طالبتهم بموقف داعم للحرب التي تشن "لإنقاذ المختطفين" ، ومنعت الصحف من الإشارة إلى أية معلومات عنهم لحين الإستفادة من قصتهم لتبرير جريمة كبرى تتطلبها أجندتها وكسب 76% من تأييد الإسرائيليين لها، تبدأ من عمليات تفتيش واستيلاء على حاسبات ووثائق ومهاجمة مؤسسات وتدمير ممتلكاتها، إلى عمليات قتل متعمد وقصف وحشي لتدمير مدينة كاملة يقطنها مليونا نسمة، وأن يفعلوا ذلك بسرعة قبل ان تكتشف الكذبة ولا يعود المخدر فعالاً لضمير البشرية!!
من أجل تشديد ذلك المخدر، يلجأ نتانياهو إلى التاريخ فيستعير قصيدة شعر للشاعر اليهودي حاييم بيالك كتبها عن حادثة اعتداء من قيصر روسيا على اليهود في كيشينيف عام 1903 تركت عدداً من القتلى فيها، رغم ان الإقتباس مقلوب على رأسه، فهو الأقرب إلى القيصر، وضحايا غزة هم الأقرب إلى ضحايا الكيتو اليهودي في كيشنيف! (2)
وقد اعتاد نيتانياهو على هذا الإبتزاز الكاذب للتاريخ وقد سبق له حتى الجرأة على اتهام الفلسطينيين بدور مباشر في الهولوكوست! (3)
ونتيجة لذلك فقد امتلأت مدن إسرائيل بعصابات الشباب اليهودي الهاتفة "الموت للعرب"(4) ونشر الجنود على الفيسبوك صورهم مع أسلحة يتمنون استخدامها لقتل العرب(5). ودعا الرابي نعوم بيريل السكرتير العام لأكبر تجمع للشباب الصهيوني في العالم إلى تحويل الجيش الإسرائيلي إلى جيش انتقام لا يتوقف عند قتل 300 فلسطيني، وسلخ جلدة رأسهم(6) في إشارة إلى "داوود" الذي قتل مئتين من “المتوحشين” وعاد بجلدة جبهاتهم كدليل على فعلته
ودعت النجمة اليمينية الصاعدة "إيليت شاكد" صراحة إلى التصفية العرقية للفلسطينيين بحرب صريحة شاملة ضد الشعب الفلسطيني بالذات وبكليته ولا تستثني أحداً منهم، وأن الحرب ليست جريمة. وكتبت أن الحروب في كل مكان في العالم وأن العدو هو كل الشعب (المقابل) بعجزته ونسائه ومدنه وقراه وممتلكاته وبنيته التحتية، ولايستثنى من ذلك المدنيين فأن أحداً لا يلوم الطائرات البريطانية وهي تدمر بالكامل مدينة درسدن الألمانية ولا الطائرات الأمريكية التي دمرت مدن بولونيا ومزقت نصف بودابست، ومن ضمنها مناطق سكنية لم يفعل سكانها أي شيء لأميركا، لكن كان يجب أن تدمر لكي تربح الحرب على الشر.... إن أخلاقية الحرب تقبل كأمر مبدئي صحيح ، وليس كأمر سياسي فقط، ما فعلته أميركا في أفغانستان بضمنها القصف الشامل للمناطق المأهولة بمئات الآلاف من السكان، وبضمنها خلق سيول من مئات الآلاف من المهجرين الهاربين من أهوال الحرب، والألاف الذين لن يجدوا مأوى يأواهم. وبالنسبة لنا فإن هذا صحيح سبعة مرات أكثر مما هو في أي مكان آخر. فخلف كل إرهابي هناك عشرة رجال ونساء يدعمونه... كل هؤلاء هم "مقاتلين أعداء" ودماؤهم يجب أن تفجر في رؤوسهم، وهذا يشمل أمهات الشهداء... فهؤلاء يجب أن يتبعوا أولادهم، تماماً كما يجب أن يحدث للبيوت التي تنموا فيها الثعابين، وإلا فستربى المزيد من الثعابين الصغيرة هناك.(7)
وقد حصلت إيليت على آلاف الإعجابات على نشر هذا الكلام في صفحتها على الفيسبوك.
وفي بداية تموز وعلى إثر تلك الدعوات الوحشية، كانت سيارات الإسرائيليين تجوب أحياء العرب بحثاً عن فرائسها. وبعد فشلها في خطف طفل في العاشرة من العمر، نجحت سيارة في اختطاف شاب في السادسة عشر إسمه "محمد أبو خضير"، والذي وجد ميتاً في الصباح اليوم التالي في غابة كيفات شاؤول والحروق تغطي 90% من جلده(8) وقد تبين من تشريح الجثة أنه قد أحرق حياً! (9)
وما قامت به الشرطة الإسرائيلية هو نشر بيان بأن أهل محمد هم الذين قتلوه لأنه كان "مثلياً"!(10)
وأنكرت عائلة الشهيد وجود أية خلافات من أي نوع مع إبنها وقدمت بالمقابل فلماً قامت بتسجيله أمام منزلهم يبين فيه الخاطفين وأمكن التعرف على وجوههم.. (11)
وكما هو متوقع تم إخفاء الفيديو لعدة أيام عن الرأي العام تحت أمر “الشن بيت” بمنعه. وعندما قامت الشرطة بالقبض على القتلة، قامت في نفس الوقت بمؤتمر صحفي حول قتل أمرأة يهودية، لا علاقة لها بالأمر لتوحي بأن قتل محمد جاء انتقاماً لقتل تلك المرأة، ولم يكن هناك أي دليل على ان الفلسطينيون هم الذين قتلوها!
وعلى إثر الأحداث عمت الحي تظاهرات احتجاج عارمة وعبر القدس الشرقية، وكان نتانياهو يحاول تغطية الحدث لضيوفه الأمريكان بالقول بأن "عمليات القتل لا مكان لها في الديمقراطية" الإسرائيلية وأن تلك "القيم" الديمقراطية هي التي تميزنا عن جيراننا، وتجمعنا مع الولايات المتحدة".
وإضافة إلى الدعم السياسي الكامل للجريمة قامت أميركا بتقديم منحة بـ 225 مليون دولار للجيش الإسرائيلي لتمكنه من الإستمرار بها..ونتيجة كل تلك الأكاذيب وكل الدعم الخسيس للوحشية الإسرائيلية غير البشرية، تشرحه الصور بأفضل من الكلمات، وما عليك سوى أن تكتب كلمة "غزة" في صور كوكل لكي ترى بنفسك!
هذا كله يشرح بوضوح شديد ما تريده إسرائيل للعرب، ليس بسبب اعتداء العرب عليها بل أنها تريده بشدة تدفعها إلى اختلاق الأكاذيب من أجل فرصة ارتكابه بحقنا، وبدعم من "أصدقاءنا" الأمريكان الذين دفع السفلة بالبلاد إلى توقيع اتفاقية "صداقة" معهم لم يصبنا منها إلا الإغراق في الوهم والضياع والشلل والسير نحو المسلخ الذي أعدوه لنا بهدوء.
إننا لا نملك إلا أن نلتفت بغضب شديد إلى الذين يروجون للصداقة مع إسرائيل وأميركا ونحملهم مسؤولية هذا الدم وهذا القهر اللاإنساني وأنهم بموقفهم المدافع عنها أو الصامت عن جرائهما، يقفون من شعبهم بمثل ما تقف منه هذه الوحوش غير البشرية، ولا يجدون ضيراً من أن يصيبه منها ما أصاب الشعب الفلسطيني لأكثر من نصف قرن وما يصيبه اليوم.
إن من يتوهم أن الفلسطينين ينالون ما ينالون اليوم نتيجة مواقفهم المعادية لإسرائيل، وأن "لا شأن لنا بهم"، يغرق في خطأ خطير، فهاهي الحقائق تكشف أن الإسرائيليين قد أعدوا الوسائل وهم يبحثون عن الحجج لتدمير هذا الشعب العربي أو ذاك، وهذا ما يحدث بالفعل، فما حدث ويحدث في العراق وسوريا من أهوال لا يختلف عما يحدث في غزة اليوم، لا من حيث البشاعة ولا من حيث من يخطط له ويدرب من يقوم بتنفيذه ويدعمه بالمال والسلاح.
هذا هو ما حدث في غزة حقاً، وليس ما تروج له وسائل الإعلام التي أسسها أعداء البشر من أكاذيب. مرة تلو المرة تتكشف الحقائق ، ومرة تلو المرة ندرك أن أصدقاء إسرائيل وأميركا ودعاة العلاقة معهما من ساسة وكتاب مأبونين، وحتى المتحالفين مع هؤلاء والمتماهين معهم، يقفون في خندق قتلتنا وقتلة الإنسانية وأعداءنا وأعداء الإنسانية ومبادئها ويوماً سينالهم ما ينال من يذبح شعبه ركضاً وراء رضا أعدائه وأعداء البشرية كلها. إن من يضع شرفه في الزرائب على أمل لا أساس له، أن تصبح نظيفة يوماً، هو المسؤول عما يصيب هذا الشرف من أقذار، ويتحمل كل تبعات مواقفه ونتائجها.