العراق تايمز: كتب عباس علي العلي..
في واحدة من أشهر الانتهاكات الدستورية والقانونية العراقية والتي يدافع جميع الفاسدين والمفسدين في العراق عنها بشتى الأعذار والحجج وتحت مسميات الحفاظ الضروري على النظام والقانون وكأنك تنادي بتغير نص قرآني محكم ما يرد بالنقطتين التاليتين :.
1. رغم مرور أكثر من عشر سنوات على إقرار الدستور الدائم والذي ألزم بموجبه السلطة التنفيذية والتشريعية وفق للمادة 89 منه بإصدار قانون لمجلس القضاء الأعلى وكل الهيئات والتشكيلات القضائية التابعة له إلا أن المجلس فشل في إصدار هذه الحزمة من القوانين وما زلنا لليوم نعمل بالقرار رقم 35 لسنة 2003 الصادر بالصفة التشريعية للحاكم العسكري الأمريكي للعراق وبصفته التشريعية , وكذلك بموجب بعض أحكام قانون إدارة الدولة العراقية للمرحلة الأنتقالية الملغى, ومنها التي نص فيه حصرا وتخصيصا أن رئاسة مجلس القضاء الأعلى يتولاها بالنص رئيس محكمة التمييز الاتحادية.
2. أصدر السيد بريمر الحاكم المدني للعراق بصفته التشريعية مذكرة سلطة الإتلاف المؤقتة رقم 12 لسنة 2004 "إدارة نظام قضائي مستقل" تم فيه فصل القضاء والسلطة القضائية عن وزارة العدل وبالتالي تكوين سلطة قضائية مستقلة عن السلطة التنفيذية ماليا وإداريا وبكل الجوانب التشغيلية والصرف والميزانية المخصصة له ,تبعها بنفس الوقت إصدار قانون إدارة الدولة العراقية للمرحلة الانتقالية ,جاء في الباب الثالث منه المادة 3 ج (ينتهي سريان هذا القانون عند تشكيل حكومة منتخبة وفقا لدستور دائم) ,أما في الباب السادس (السلطة القضائية الاتحادية) المادة 45 - يتم إنشاء مجلس أعلى للقضاء ويتولى دور مجلس القضاة ,يشرف المجلس الأعلى للقضاء على القضاء الاتحادي ويدير ميزانيته المجلس. يتشكل هذا المجلس من رئيس المحكمة الاتحادية العليا ,رئيس ونواب محكمة التمييز الاتحادية ...... ويترأس رئيس المحكمة الاتحادية العليا المجلس الأعلى للقضاء) , وبذلك يكون حكم هذه المذكرة وأحكام قانون إدارة الدولة العراقية في المرحلة الانتقالية قد نسخ أحكام قانون رقم 35 لسنة 2003, فيما يخص تشكيل مجلس القضاء الأعلى ولم تعد عاملة أو نافذة .
3. وأيضا ورغم مرور نفس الفترة لم بصدر للآن قانون المحكمة الاتحادية كما نصت عليه المادة 92 من الدستور التي أقرت في الفقرة الثانية منه أن المحكمة الاتحادية تتشكل من مجموعة من القضاة وفقهاء الشريعة والقانون ,وبقي العمل ساري وفقا للقانون رقم 30 لسنة 2005 الصادر بنفس الآلية السابقة استنادا لأحكام قانون إدارة الدولة العراقية للفترة الانتقالية ,في المادة 2 نص على أن تتشكل المحكمة من ثمانية قضاة يعينهم مجلس الرئاسة بناء على اقتراح من رئيس محكمة التمييز الاتحادية .... الخ ,ويلاحظ من صيغة القانون الذي يعتبر مفسرا لما جاء في مذكرة سلطة الاحتلال رقم 12 لسنة 2004ومعدلا لبعض أحكامه منها النص التالي ((المحكمة الاتحادية العليا مستقلة ماليا وإداريا)) ,وهو مبدأ يتناقض مع أحكام المادة 89 من الدستور الدائم التي جعلت من السلطة القضائية بأجمعها وحدة واحدة((تتكون السلطة القضائية الاتحادية من مجلس القضاء الأعلى,والمحكمة الاتحادية ومحكمة التمييز .... الخ)) فقد رسخ الدستور في هذه المادة فكرة وحدة القضاء من جهة وأسقط استقلالية المحكمة الاتحادية ماليا وإداريا وجعلها ضمن منظومة أخرى تمتع بأجمعها باستقلالية واحدة.
4. ومع حكم المادة 89 وما يليها من حكم المادة 90 من الدستور والتي نسخت عمليا وفعليا أحكام مذكرة سلطة الإتلاف رقم 12 لسنة 2004 وما جاء في أحكام قانون إدارة الدولة لسنة 2004, بخصوص تكوين السلطة القضائية(89)وواجباته (90) وصلاحياته (91) ,أما الفرع الثاني منه المادة (92) ثانيا , فقد نسخت أحكام المادة الخامسة والأربعون من الباب السادس من الدستور المؤقت(قانون إدارة الدولة للفترة الانتقالية) وبالتالي تعبر أحكام المادة (92) ثانيا هي المادة الحاكمة والنافذة .
5. وفي كلا الحالين هناك فشل كامل في قوننة الواقع القضائي العراقي عمل المحكمة الاتحادية مما جعل من السيد مدحت المحمود أن يتلاعب بنظام الدولة كاملا دون رقيب أو حاكم بالرغم من أن مسئولية ذلك تعود "حصرا" لرئيس الجمهورية باعتباره راع الدستور وحاميه الأول والمدافع عنه ,ومما عزز هذه الديكتاتورية المتفردة في رسم الواقع القضائي والقانوني حصر جميع السلطات القضائية (مجلس القضاء الأعلى, المحكمة الاتحادية العليا ,محكمة التمييز بيد شخص واحد يحكمها بالمؤبد خلافا لفكرة استقلال القضاء المعنوي الذي حرص الدستور كثيرا على حماية القضاء من التسلط الفردي وجعله خاضعا لقوة الدستور والقانون فقط.
آليات تولي مدحت المحمود منصبه مخالفا نصوص الدستور والقانون
السؤال المطروح الآن كيف تولى مدحت المحمود رئاسة مجلس القضاء الأعلى وبأي صفة ووفق أي آلية ؟ السؤال الثاني والأهم كيف لنا أن نصحح الوضع دستوريا وقانونيا دون التعرض للحظر الموضوع على رئاسة المحكمة الاتحادية ؟, قبل الجواب لا بدلنا استعراض تاريخي في كيفية اختياره للمنصب خاصة وأنه كان قد مدد له العمل سنتين متتاليتين بموجب قانون التنظيم القضائي رقم 160 لسنة 1979 وهو ما لا يمكن له بعدها أن يكون قاضيا في الخدمة لتجاوزه السن القانونية 68 سنه وتمديد سنتين فيكون عمره قد تجاوز السبعين فهو من مواليد 1933,وكان السيد بول بريمر الحاكم العسكري الأميركي للعراق، عين مدحت المحمود مشرفا على وزارة العدل في حزيران2003،ثم عينه نائبا لرئيس محكمة التمييز خلافا للقانون، ثم رئيسا لمحكمة التمييز الاتحادية، وفي آذار 2005 عين رئيسا للمحكمة الاتحادية العليا وبحكم القانـــون رقم 30 لسنة 2005،والمذكرة المؤقتة رقم 12 لسنة 2005 رئيساً لمجلس القضاء الأعلى.
بموجب المادة 47/ خامسا من قانون التنظيم القضائي رقم 160 لسنة 1979 يعين رئيس محكمة التمييز الاتحادية بمرسوم جمهوري بناءا على اقتراح مجلس القضاء الأعلى من بين قضاتها الذين امضوا مدة لا تقل عن ثلاث سنوات فيها وبموجب المادة 61 من الدستور العراقي يتم تعيين رئيس محكمة التمييز الاتحادية بناءا على موافقة مجلس النواب وبموجب أمر سلطة الائتلاف المؤقتة المنحلة في العراق رقم 35 لسنة 2003 القسم (2) الفقرة (3) يكون رئيس محكمة التمييز رئيسا لمجلس القضاء وتنعقد الهيئة العامة برئاسة رئيس محكمة التمييز الاتحادية وذلك وفق المادة 13من قانون التنظيم القضائي وحددت المادة (15) من قانون التنظيم القضائي صلاحيات رئيس محكمة التمييز الاتحادية وهي إدارة المحكمة ورئاسة هيئة الرئاسة ورئاسة الهيئة العامة أو الموسعة أو أية هيئة من هيئات محكمة التمييز وتفتيش أعمال محكمة التمييز وصلاحيات أخرى وردت في القانون ويقوم نائب رئيس محكمة التمييز الاتحادية بأعمال رئيس محكمة التمييز عند غيـــــــــابه .
ومما يعزز حقيقة أن السيد المحمود ليس رئيسا قانونيا ودستوري لمحكمة التمييز الاتحادية أنه لم يشترك في اتخاذ أي قرار صادر من محكمة التمييز الاتحادية منذ عام 2003 ولحد الآن ويمكن الاطلاع على القرارات الصادرة من محكمة التمييز الاتحادية الصادرة طيلة السنوات الماضية كما أنه لم يمارس الصلاحيات القانونية المنصوص عليها في قانون التنظيم القضائي وان الإدارة الفعلية لمحكمة التمييز الاتحادية تتم من قبل نائب رئيس محكمة التمييز الاتحادية الذي يجب أن يقوم بدورة عند غياب رئيس محكمة التمييز الاتحادية, وان السبب الذي يقف وراء ذلك أن السيد مدحت المحمود لم يعين رئيسا لمحكمة التمييز الاتحادية بموجب مرسوم جمهوري وهذا يخالف أحكام المادة (61) من الدستور العراقي النافذ لعام 2005 والمادة (47) من قانون التنظيم القضائي رقم 160 لسنة 1979, مع أن المتحدث باسم مجلس القضاء الأعلى عبد الستار البيرقدار أكد في مؤتمر صحفي بان السيد مدحت المحمود هو ليس رئيسا لمحكمة التمييز الاتحادية وان رئيس محكمة التمييز الاتحادية هو القاضي حسن الحميري مع العلم بان القاضي حسن الحميري هو نائب رئيس محكمة التمييز الاتحادية وليس رئيس محكمة التمييز الاتحادية .
من كل ذلك يتبين لنا انه ومع تفعيل صلاحية الحاكم المدني للعراق السيد بول بريمر في تنصيب المحمود رئيسا محكمة التمييز الاتحادية ومن ثم لاحقا رئيسا لمجلس القضاء الأعلى باعتباره رئيسا للمحكمة الاتحادية من جهة ورئيسا لمحكمة التمييز من جهة أخرى لم يكن موافقا للقانون النافذ في حينه وهو قانون رقم 160 لسنة 1979 لكون المحمود خارج الخدمة ولم يعين رئيسا لمحكمة التمييز في حينها وليس من حق السيد بريمر حسب أحكام القانون 35 لسنة 2003 أن يحل محل مجلس القضاء الأعلى في تعيين رئيس لمحكمة التمييز ولعدم وجود محكمة دستورية آنذاك يكون قرار تعين المحمود باطلا بحكم القانون والدستور المؤقت والدستور الدائم , وحتى مع إلغاء قانون إدارة الدولة في المرحلة الأنتقالية الذي ينص في الفقرة (هـ) من المادة 44 ,تتكوّن المحكمة العليا الاتحادية من تسعة أعضاء، ويقوم مجلس القضاء الأعلى أولياً وبالتشاور مع المجالس القضائية للأقاليم بترشيح ما لا يقلّ عن ثمانية عشر إلى سبعة وعشرين فرداً لغرض ملء الشواغر في المحكمة المذكورة ,لا يحق له ولا لمجلس الرئاسة ولا لرئيس الجمهورية تعيين رئيسا لمحكمة التمييز خلافا للقانون والدستور والقوانين النافذة المشمولة بالمادة 130 الدستورية .
أذن كيف يمكن لنا أن نعالج الوضع دستوريا وقانونيا باعتماد هذه المقدمات التوضيحية ,الجواب لا بد لنا أن نعود إلى القواعد الدستورية والقوانين النافذة كالأتي :.
• مجلس القضاء الأعلى يمثل السلطة القضائية العليا في البلد وهو سلطة وصفها الدستور بالمستقلة ماليا وإداريا واعتباريا ولا سلطة تعلو سلطة المجلس إلا الدستور والقانون ,وهذا الحال يفترض أن يكون مجلس القضاء الأعلى رهين إرادة الدستور والقانون فقط ولا سواهم , وبالعودة إلى وصف الدستور له بالمادة 90 .يتولى مجلس القضاء الأعلى إدارة شؤون الهيئات القضائية وينظم القانون طريقة تكوينه واختصاصه وقواعد سير العمل فيه ,من ضمن قواعد سير العمل في مجلس القضاء الأعلى قانون الخدمة القضائية )قانون التنظيم القضائي رقم 160 لسنة 1979 )النافذ استنادا لأحكام المادة 130من الدستور النافذ والذي أضاف له حكم تعديلي وفقا لأحكام قانون((تمديد خدمة القضاة رقم 39 لسنة2013 والذي نص بان أعلى سن للبقاء في القضاء هو 68 سنة))و بالتالي لا يمكن أن يكون لشخص تعدى السن القانونية أن يكون من ضمن أعضاء الهيئة القضائية وضمن تشكيلات مجلس القضاء الأعلى باستثناء رئيس وأعضاء المحكمة الاتحادية العليا بموجب النص الوارد بشان تشكيل مجلس القضاء الأعلى وقانون المحكمة الاتحادية العليا رقم 30 لسنة 2005 والمنسوخ بأحكام المواد من (89 إلى 92) من الدستور الدائم , وعليه يكون حتى أعضاء هذه المحكمة ورئيسها طالما كان الوصف الدستوري للمحكمة على أنها ضمن مجلس القضاء الأعلى ومن تشكيلاته فالقيد السابق يصبح باطلا ولا قيمة قانونية له ويطبق القانون رقم 39 لسنة 2013 على كل العاملين بصفة قاضي وحصرا.
• بالعودة لأحكام المادة 130 من الدستور الدائم والتي نصت على(أن تبقى التشريعات النافذة معمولا بها ما لم تلغ أو تعدل) وهو حكم عام على كل القوانين والتشريعات التي صدرت قبل نفاذ الدستور ما لم تلغى أو تعدل ,وبالنظر لأحكام المادة 143 من الدستور خصت تحديدا(إلغاء قانون إدارة الدولة العراقية للمرحلة الانتقالية وملحقه)فقط والخاص المخصوص يخصص من حكم الإطلاق الوارد في أحكام المادة 130 وفقا للقاعدة التشريعية التي تنص على أن المطلق يسري على أطلاقه ما لم يقد بنص خاص ,وحيث أن نص المادة 143 أبطلت كل أحكام الدستور المؤقت بما فيها أحكام مجلس القضاء الأعلى والمحكمة الاتحادية الواردة في الباب السادس تفصيلا وقد استثنت فقط منه أحكام الفقرة(أ) من المادة 53 والمادة 58 ,وعملا بأحكام المادة ثالثا - ج منه والمادة الثانية والستون التي بينت حدود وصلاحية نفاذ قانون إدارة الدولة في المرحلة الانتقالية , وبالتالي لا يمكن شمول ما ورد في الباب السادس أعلاه .
• تأسيسا على ما تقدم ولعدم وجود تشريع خاص صادر وفقا للدستور وبأغلبية الثلثين بمجلس القضاء الأعلى ولا بالمحكمة الاتحادية العليا وإعمالا لأحكام المادة 143والمادة 130 الدستوريتان يرجع العمل بأحكام القانونين رقم 35لسنة 2003 لمجلس القضاء الأعلى لأبطال القانون الناسخ له على تقدير الضرورة وللقانون رقم 30 لسنة 2005 الخاص بالمحكمة الاتحادية وأيضا لنفس السبب ,ولا يمكن العمل بأحكام الفصل السادس من قانون أدارة الدولة لإلغائه صراحة وسقوط العمل به استنادا لحكام النفاذ الخاصة به ولأحكام المواد 130 و143من الدستور الحالي والساقط قانونا لا يعود ولا ينفذ طالما أن التخصيص حصره تنصيصا.