وفاء قل نظيره من قبل طبيبين كانوا في يوما ما طلابا في اعدادية بور سعيد للبنين الواقعة ضمن الرقعة الجغرافية لمدينة الثورة في بغداد لأستاذهم مدرس اللغة الانكليزية المفكر إدريس حسن طه . لقد رسما وفائهما لأستاذهم وصديقهم بعد حين في هذا الكتاب الذي يمثل بحث نظري في افكاره مع الاعتماد على مخطوطات الاستاذ والرسائل المتبادلة معه اضافة لمصادر عربيه وأجنبية مع كم هائل من المشاهدات اليوميه . علما بأن هذا الاصدار هو الثالث الذي يعتبر ثمرة طيبة لطلاب اجهدوا النفس لنشر افكار استاذهم .
الكتاب دعوه للحوار مع جموع الاخيار الواعين لحقوقهم وواجباتهم والمدركين ان عليهم واجبنا مقدسا للدفاع عنها ومشاركتهم الفاعلة في مسيرة الحضارة . فالانسان يعيش البؤس والمعاناة من قبل اخيه الانسان والطبيعة والتاريخ فكيف يقضي هذا الانسان عمره ليتجاوز بؤسه ؟ هذا هو السؤال الحاسم لوعي الافراد والأمم وبدونه يفقد الانسان معنى وجوده كذات بعد ان حبى الله الانسان بالعقل والإمكانات ، وميزه عن الكائنات الاخرى ليتجاوز هذا البؤس من خلال تربية الامكانية الى فعل حقيقي ملموس وليس مجرد حلم .
يتكون الكتاب من ستة فصول يبحث فيها عن الطرق في تجاوز البؤس من خلال التصدي بفعالية وكفاءة لمعاناة الانسان وذلك بتربية وتأهيل امكاناته فبدونهما كيف يمكن ان نتصدى لتجاوز أسلوب الحياة الطبيعية الى أسلوب حياة الرفاهية . وخلص الى ان هذا التجاوز يمر عبر أربعة محاور أساسية هي التربية والإنتاج والعلاقة والرفاهية . منها يصحو الانسان ويتقد ذكاءه بروح العصر، وخارج هذا الهدف لا يوجد إلا ما يستحق الاهمال ...
الفصل الاول ... التربية .. ويعبر عن هذه المفردة كما اشار اليها سقراط على انها اهم للإنسان من ثوبه وخبزه وأنها التخطيط الشامل لما يراد أن يكون عليه انسان العصر من معلومات وما يتقنه من مهارات وما يتصف به من قيم وعادات واتجاهات ، ان عليه الاسهام الفعال في تحقيق حاجات الحاضر ومواجهه تحديات المستقبل وتسخير موارد البيئة وخبرات الماضي عبر رحلة النشأة والحياة والمصير . كان مقياس التربية في السابق التفكر في العلم أكثر من العمل ، أما اليوم فأصبحت التربية تعنى العمل وصارت الاسئلة الشائعة ماذا فعل الانسان ؟
الفصل الثاني ... الانتاج والإنتاجية .. يبدأ الفصل ( وان الإنسان إلا ما سعى وأن سعيه سوف يرى ثم يجزاه الجزاء الاوفى ) سورة النجم . ويذكر المفكر ادريس على ان عوامل انتاج الرفاهية هي مثلث الضلع الاول للانتاج والثاني للتربية والثالث للعلاقة اذا اختفى احد أضلاعه تهدم . وان العمل هو علاقة شرف والافتقار له افتقار للشرف . ويؤكد لا يمكن ان يتقدم أي مجتمع وافراده لا يتحمسون ولا يخلصون بصدق ونزاهه للعمل وإلانتاج ، والعمل عندهم مضيعة للوقت . وان معدل التنمية في التحليل النهائي يعتمد على معدل زيادة الانتاجية . حيث يعتبر الانتاج مصدر الدخول التي يحصل عليها الافراد أيا كانت وظائفهم ويمثله بسلة تأخذ منها بقدر ما تضع فيها .
الفصل الثالث ... العلاقة .. خلاصة الشريعة وتعاليم الانبياء تؤكد " عاملوا الاخرين مثلما تريدون أن يعاملوكم ". والامام علي في وصيته لأبنه الحسن في نهج البلاغة " يا بني اجعل نفسك ميزانا فيما بينك وبين غيرك فأحبب لغيرك ما تحب لنفسك " ويؤكد المفكر إدريس على ان العلاقة هي شرف الانسان على مستوى التطبيق محسوسا ومجسدا ومرئيا وحيا معبرا عنها بالعلوم السياسية والإدارية والقانونية والاجتماعية والنفسية والفلسفية والاخلاقية والدينية . ويؤكد على ان العلاقة هي مراعاة مصالح الاخرين وسعادتهم . واستشهد بمقولة أفلاطون ( عند غياب القوانين لا يختلف الناس عن الحيوانات المتوحشة )
الفصل الرابع ... الرفاهية .. هي حق أساس من حقوق الانسان بينما خلق أسبابها واجب , والفرح المباح بشرط ان لا يؤذي الغير قولا او فعلا او نتيجة ويلخص الى ان الانتاج والعلاقة والتربية واجب وثمرتهم الرفاهية المثل الاعلى . فالرفاهية هي السعادة التي ينبثق منها كل شيئ ، وتبرر كل شيئ كمعيار نهائي لي وللاخرين فهي رؤية الانسان السعيد كأعظم انجاز مدهش وخارق وليس على الارض ظاهرة أشرف منها وتلك هي عبقرية البشرية ومجدها وما عداها هو عارها تلك هي القضية المحورية الوحيدة الجديرة بالاحترام والتقديس ، فالرفاهية هي القطب الذي يدور حوله الانسان منذ خلقه ، انها ليست مجانية انما ثمرة شروط .
الفصل الخامس ... العصر .. هو التأقلم مع العولمة فحياة الشعوب كحياة الافراد قائمة على التبادلات فالعولمة لا تنفي الوطن والمدينة بل تبنيها ، وهي اتجاه تاريخي نحو انكماش العالم وزيادة وعي الافراد والمجتمعات بهذا الانكماش . ويؤكد المفكر إدريس على ان العالمية والعولمة أمران متلازمان ، فالعالمية قيم وأخلاق ، والعولمة سلوك وأداء ، وألاولى مبادئ ومثل وأدبيات والثانية آليات ونظم ووسائل ومهارات ، والعالمية بدون عولمة تبقى آمالا وتطلعات والعولمة بدون عالمية تبقى عرضة للعبثية والتخبطات ، فهما طرفا المعادلة الصحيحة المتزنة لحركة الانسان في مهمة عمارة الارض وأقامة العدل والأمن في أرجائها .
الفصل السادس ... الذاكرة .. الذي يهمنا من التاريخ أيا كان وقائعا أم اعلاما هو اولا : قراءته كأرث بشري واحد ، به نحاور الماضيين ونتفحص مساهماتهم كأفراد وشعوب وأمم وثانيا : سؤال الاجداد سؤالا واحدا ، ماذا فعلتم للخروج من البؤس والاقتراب من السعادة لتحرير الانسان من شقائه وتجاوزه لعذاباته وآلامه ومخاوفه ؟. فالتاريخ مساعد كبير على تنمية الذكاء ولخص التاريخ على انه تراب استحال الى بشر وبشر استحال الى تراب . ويوجه السؤال كيف يمكن جعل أحداث التاريخ ووقائع الماضي موضوع معرفة ؟ وكيف يدرك الانسان عمق هذه الوقائع ؟ وكيف يمكن مقاربة التاريخ من خلال فكرة التصدي لمعاناة البشر كأساس يحرك الاخير ويوجهه ؟ هل سيوظف التاريخ للحاضر والمستقبل ؟
اسم الكتاب : بوارق من فكر إدريس طه حسن
تأليف : الدكتور صالح السَراي والدكتور كامل العتَابي
الناشر : دار ومكتبة عدنان للطباعة والنشر والتوزيع
التنفيذ والأخراج دار صفحات - سورية
رقم الايداع في دار الكتب والوثائق ببغداد 2810 في 2015
عدد النسخ 1000
القياس : 14.5 × 21.5
عدد الصفحات : 368
مقالات اخرى للكاتب