كيف صنعت نساء قلائل مستقبل كربلاء؟ ومن المفترض أنهنَّ يعشنَ حالة إنكسار، وخوف، وحزن لا يضاهى، لكن المدهش أنهنَّ أعطينَ هوية خاصة، عن المرأة العاشورائية في واقعة الطف، وهنَّ ملتحفات بالكرامة، والحرية، والإباء، بمواجهة معسكر الباطل والرذيلة، فأعلنت كل واحدة منهنَّ على طريقتها، إستنصارها للإمام الحسين (عليه السلام)، وأخته الحوارء زينب (عليها السلام)، فحفل التأريخ الكربلائي بشموع مضيئة، ستُخلَد الى يوم يبعثون، و(دِلهم بنت عمرو)إحداهنَّ!
دِلهم بنت عمرو زوجة زهير بن القين، دعاه الإمام الحسين (عليه السلام) لصحبته في المسير لكربلاء، فأجاب رسوله: إنه ليس راغباً بمرافقته، فقالت له زوجته:يا سبحان الله! أيبعث إليك الحسين بن فاطمة ثم لا تأتيه؟ ما ضرك لوأتيته فسمعتَ كلامه ورجعتَ! فذهب زهير على كره، فما لبث أن عاد مستبشراً وقد أشرق وجهه، فأمر بفسطاطه ووضعه بجانب فسطاط الحسين (عليه السلام)، فما سر هذا التغيير؟
مخطئ تماماً مَنْ يعتقد أن قيمة دِلهم بنت عمرو، أنها أنجبت زيداً، بل إن القيمة الحقيقية للمرأة ليست بزيد أو عبيد، وإنما تتضح مكانتها في إرتباطها بالرموز الدينية التي تعاصرها، وكيفية التأثير في الزوج، والإبن، والأخ، وإعداد الأسرة لتعبئتها بجانب معسكر الحق والفضيلة، وزرع مفهوم كرامة الشهادة، والصبر على الشدائد والملمات، لأنها تدرك جيداً أن كربلاء قضية تعني الخلود، رغم رحيل زهير بن القين عنها.
زهير بن القين بن قيس الأنماري البجلي، من كبار شيوخ أهل الكوفة وأشرافها، كان ذو منزلة عظيمة في قبيلته، ورغم هذه المكانة الكبيرة، قرر الإستماع لصوت كربلاء، عن طريق زوجته دِلهم بنت عمرو، التي رافقته حيث واقعة العطش والفجيعة، وعايشت جرائم بني أمية بحق البيت العلوي في الغاضرية، فسُجل لها هذا الموقف المشرف، ليتقدم زوجها بن القين ويقاتل الأشرار، بكل عزيمة وإصرار هاتفاً: لبيك ياحسين.
نساء التغيير بملحمة الطف، يثبتنَ أن الدور البارز لهنَّ، لم يكن في المسيرة صوب كربلاء، برفقة نساء البيت الهاشمي، بل بعظمة المصاب، وإستشعار خطورة الطغيان الأموي، ومساعيه الخبثية لمحو الدين والعقيدة، ولهذا كان لهنَّ الريادة في ترسيم أسباب الثورة الحسينية، والإصرار على المكاشفة والإستعداد للشهادة، وقناعتهن بأن من مصاديق الظلم نهايته الحتمية، حيث آهات المظلوم لم ولن تضيع، لذلك إستبشرت نساء الأنصار خيراً، فصنعنَ الإنتصار.
مقالات اخرى للكاتب