بلا شك حين اتخذ النظام السابق قرارا باستقطاع عددا من الاقضية الكوردية التابعة لمدينة كركوك ، كانت الغاية منه هو اقامة حزام امني حول المدينة ، والغاء خصوصيتها بما يتناسب مع اهداف وسياسة النظام التي كانت تدور في فلك اخضاع تلك الاقضية واهلها لأجنداتها الخاصة ، وانتزاع ابسط حقوق أهلها المدنية والقومية المشروعة ....
بعد عملية سقوط النظام اتجهت الانظار مجددا الى هذه المسالة لإيجاد سبل وطرق معالجتها ، الا انها اصطدمت بعوائق كثيرة من قبل البعض الاطراف ((ضيقة التفكير)) التي لا تمتلك رؤية جادة تؤهلها لقول الحق ، بل راحت تذهب يمينا ويسارا لخلق جبهة رافضة حتى للحديث عن هذه المسالة ، ولا يزال الاغلبية من تلك الاطراف مصرة على عنجهيتها ، وتنظر الى المادة (140) الدستورية والقانونية على انها خرق سياسي من النوع الثقيل لتثبيت هوية تلك المناطق على ضوء الاغلبية السكانية ، رغم كونها بمثابة حبل نجاة لما تعانيها تلك المناطق من الم وحسرة على ما انتزعت منهم ظلما من ممتلكات واراضي زراعية بل وحتى هوية ، واجبروا على قبول واقع مرير فرض على فرضا بقوة السلاح ، ودون ان تعترف تلك الاطراف ان الاحقية القومية والعرقية هي مسالة مشروعة حددها الدستور وفق فقراتها وموادها ، وان هذه المادة مهما تلكات الحكومة في تنفيذها فأنها ستبقى هي الوسيلة الوحيدة لتطبيع الاوضاع في كركوك والمناطق المستقطعة منها ولابد من الرجوع اليها آجلا أم عاجلا
مشروع قانون ترسيم حدود الادارية للمحافظات الذي طرحه فخامة الرئيس مام جلال كانت استجابة انسانية بضمير وطني صادق لحل هذه المعضلة التي خلفها النظام السابق ، ودرء مخاطرها واثارها النفسية على سكان هذه المناطق الذين ذاقوا الأمرين من جراء تفاقم الخلافات بين ابناءها التي زرعها النظام على مبدأ ((فرق تسد)) لضمان مخططاتها الهادفة لتمزيق وتفكيك النسيج الاجتماعي بين سكانها ...
اذن فان السنوات المريرة التي مرت على سكان هذه المناطق المستقطعة كانت ولا تزال من اصعب السنين ، ولم يدفع ضريبتها الى الآن سوى اهلها الذين يعانون من هضم لحقوقهم الانسانية وتهميش لدورهم في بناء حياتهم ، و دون ان تلتفت الدولة الى ابسط مطالبهم التي لا تخرج من نطاق حقوق المواطنة والوطنية ...
لذلك نجد اليوم قضاء طوز خورماتو كواحدة من بين تلك المناطق المستقطعة عن كركوك تعاني من خطر الارهاب المنظم وبشكل شبه يومي مما دفع بالعديد من سكانها ترك منازلهم والهجرة بعيدا عن محارق الموت التي تشعل نيرانها جماعات ضالة عن نهج الهدى بهدف خلق الفتنة والنعرات الطائفية والمذهبية بين ابناءها لضمان تمرير مخططاتها اللاحقة التي لا تخرج من اطار احتواءها على اساس مذهبي وطائفي مقيت ....
ما يشرح الصدور ان المعنيين بشأن سلامة مدينتهم من تلك العاهات أدركوا اخيرا حجم اللعبة التي تلعبها تلك الجماعات ، وحددوا بعقلية ناضجة حجم الاخطار اذا ما استمر الحال على ما عليه ، وقرروا بصوت واحد بضرورة عودة القضاء الى حاضنة مدينتها الأم كركوك ، بعد ان تيقنت اهلها ان محافظة صلاح الدين لا تراعي بمهنية خصوصية طوز خورماتو ، ولا تاخذ بعين الاعتبار حقيقة المعاناة اليومية التي يعانون منها ، ولا تنظر اليهم كما تنظر الى الاقضية والنواحي التابعة لها ضمن حدودها القانونية ، بل تنظر اليها كمدينة طرأت على حدودها الجغرافية وفق سياسة معينة ، ولهذا نجد ان الاهتمام بها لا تخرج من حدود المجاملات الرسمية التي لا تشكل سوى نقطة في بحر معاناتها ، والزائر للمدينة يدركها كمدينة مهمومة لا تجد من يواسيها على اساس الانتماء الوطني ، وان الاطراف السياسية التي تعمل في حدودها لا تبحث سوى عن السلطة والنفوذ السياسي حتى تحولت المدينة الى ساحة مفتوحة للصراعات ويحاول كل طرف ان يكون سيدا فيها ، ليروج لخطاباته السياسية والدينية المجردة من مصلحة المدينة وأهلها ، ولهذا نعتقد ان مطالبة القضاء ومجلسها بالعودة الى حاضنة كركوك هي الخطوة الصحيحة في ظل هذه الظروف العصيبة التي تمر بها المدينة ، وبسببها تشابكت الخيوط وتعقدت الاوضاع ، واصبحت من جراءها مدينة مفتوحة امام الارهاب والارهابيين ..
ومن هنا يبدو لي انه آن الاوان لقضاء جم جمال وقضاء كفري وكلار ان يعدوا عدتهم لاتخاذ خطوة طوز خورماتو المماثلة بضرورة عودتهم الى حاضنة كركوك التي تعد واحدة من المدن العراقية التي تحارب الارهاب ومن لف لفهم بأسلوب جماعي منظم ، مما يدل على عمق صلات مكوناتها القومية والوطنية ، فضلا من كونها الخطوة الاهم باتجاه ازالة معالم النظام السابق وقراراتها التعسفية بشان هذه المناطق ...
لذلك فان الادارة المحلية في كركوك وحكومتها مدعوة على وجه السرعة بالعمل على ترتيب عودة قضاء طوز خورماتو بشكل رسمي الى حاضنة كركوك من خلال طرحها على الحكومة المركزية كمطلب استحقاقي مشروع لتكون بمأمن عن الارهاب ورموز شروره الذين يتخذونها باستمرار هدفا لأفعالهم الشريرة التي تتناثر من جراءها اجساد الابرياء من ابنائها الكورد والتركمان ، والتي تقول آخر الاحصائيات ان الكورد في طوز خورماتو مهددون اكثر من غيرهم ، ورغم ذلك يلتزمون الصمت باعتبار ان الارهاب لا دين له ، و لا يستثني احدا على اساس القومية والدين والمذهب ، ومن ثم قطع الطريق امام محاولات بعض الموتورين للمطالبة بتحويلها الى محافظة على اساس قومي ومذهبي معين ...
قرار دولة رئيس الوزراء بإرسال قوات عسكرية لحماية قضاء طوز خورماتو من شرور المجاميع الارهابية جاء متأخرا ، وهي محاولة لجذب الانظار التي لا تمت بصلة على ما يعانيها المدينة منذ اكثر من خمسة سنوات ، فهناك اكثر من سؤال .. هل كان سيادته في غيبوبة على مجريات الاحداث في هذه المدينة التي تدفع كل يوم ضريبة من اقوى الضرائب..؟؟ وهل ان العملية الارهابية الاخيرة هي التي حفزت سيادته ان يتخذ هذا القرار المفاجئ..؟؟ نحن نعرف الاسباب مهما حاول سيادته اخفاءها عن الساحة السياسية ، ونعرف الاسباب التي الزمته على ان يكون قريبا على ما يجري هناك من قتل وتدمير وتخريب ، وهي مسالة ربما اراد ان يستغلها في وقت ، والانتخابات العامة على الابواب التي يقرر بلا شك مصيره ، ومصير العديد من الشخصيات السياسية الذين ضحكوا على ذقون الشعب بتعهداتهم طيلة هذه السنوات ، وخانوها دون ضمير ..!!
ومن هنا لابد ان اكون صريحا بمستوى معاناة اهل طوز خورماتو ، واؤكد لهم ، ان عودتكم الى حاضنة كركوك هي فرصتكم الأخيرة لتنعموا بالطمأنينة والاستقرار .. فلا تفوتوها ...، فكل الطروحات السياسية والدينية والمذهبية هي امتداد لمعاناتكم مهما تشدقت بها اصحابها تحت المسميات والعناوين ...!!
مقالات اخرى للكاتب