ليس بين العراقيين من يجهل نوع المحنة التي يمرون بها ، وليس منهم من يجهل خطرها على الحياة الإجتماعية والسياسية والثقافية والخدمية ، وهي من دون شك أخطر مشكلة تهدد وجودهم إلاّ وهي مشكلة الطائفية والمذهبية والدين السياسي ومشكلة التخلف في البنى التحتية والبرامج الاستراتيجية ، ولكن ما يجهله العراقيون هو في طريقة التعاطي مع هذه المشكلة ومع الوسائل والأدوات الكفيلة بحلها وعلاجها ، وكذا في القيمين على إدارتها وإدارة مؤوسساتها ، ولقد أُبحح صوتي من الندا وأنا أقول إن معالجة المشكلة الوطنية تبتعد كل البعد عن الصواب وعن الحقيقة وعن النزاهة ، وكلنا يعرف الدور الذي لعبته المنظمات الارهابية وبعض دول الجوار في ترسيخ حالة الإنقسام المجتمعي والتشرذم في القيم وفي الهوية الوطنية والتي رسخت نوع من الثقافة الأمنية جعلت في التركيز عليها مما أهمل الشؤون الأخرى ، ساعد على ذلك وجود بعض الساسة ممن أغرتهم مصالحهم وشهواتهم حتى تلطخت ايديهم بالفساد وتلوثت عقولهم في هذا الاتجار المشين من غير رادع ولا شرف ولا ضمير ، ولقد كان لبعض المخلصين من ابناء هذا الوطن دورا محدودا في التنبيه والاشارة الى هذا الخطر والى الإستمرار فيه ، والتنبيه الى خطورة تحويل المشكلة من هم وطني إلى تحايل عاطفي واعلامي ومزاجي عقيم ، هذا التحويل في اصل المشكلة هو مانسميه بخيانة الوطن وخيانة المواطن ، فقضية الوطن ومشكلات المواطن هي ليست مجرد تنابز وتعريه اعلامية متقابلة ، بل هي واقع يعيشه المواطن من خلال هذا الاستهداف المتكرر له في كل ساحات الوطن وماتلك التفجيرات التي تطاله كل يوم والفيضانات التي يتعرض لها عند كل زخة مطر لدليل واضح على ترسيخ ثقافة الفساد وسلب المواطن حقه الطبيعي في الحياة ، وكل يوم يظهر لنا الإعلام اناس نجهلهم ولانعرفهم من يمدون بنظريات وافكار تدل على انهم مغرقون بالمكر والغلو وانواع الفتن مما يجعلنا حذرين مرتابين للكيفية وللطريقية التي تعالج بها قضايا الوطن المصيرية ، وإلاّ مابال العراق الذي تحرر من الدكتاتورية وسلطة الحزب الواحد يتحول ليكون مرتعاً للعصابات التي تفجره وتتفنن بقتله وتفشل مشاريعه الحيويه وتسرق قوت شعبه ، هذا الفساد في السلوك السياسي يطحن المواطن العراقي كل يوم ... أليس هذا شيء مثير ومستفز ويحتاج منا لتغيير شامل ؟ والمفترض إننا قد تجاوزنا العشر سنيين من التغيير نحو الديمقراطية !! والمفترض إن المواطن قد تروض لحالة التبدل السياسي هذه !!! ، والمفترض إن الحريات صار لها سعة ومساحة استطاع معها الكل الكلام فيما يهمه وفيما لايهمه ، وعوضاً عن هذا غدى المواطن لا يبصر أمامه إلا تكتل لقوى إرهابية طاغية لا يستطيع معها العيش بسهولة من غير تزلف ونفاق ورياء وكذب !! ، ويكأنه مقدر عليه أن يعيش بين قتلة مأجورين متآمرين عليه وعلى مستقبل أبناءه ، ويكأن هذا المواطن أصبح محلاً للتجربة فلا يخلو يوم من أيامه من اعتداء وتفجير ومؤامرة يدبر لها فيه أنواع المكائد.
من ناحية أخرى أليس من حقنا التذكير بمن عطل المشاريع الحيوية كمشروع البنى التحتية الذي كان بمقدوره حماية البلد من خطر الفيضان والامطار وغيرها !!! ، لقد كنا مرتابين من البعض وهم يرفضون هذا المشروع مع انه كان يمكنه درء المخاطر وادخال الشركات العالمية لبناء البلد على اسس صحيحة ومتينة ، لكن الأرتياب والشك في النوايا حال دون العمل الصالح فتضرر الوطن واصيب المواطن ، فهل بعد ذلك علينا أن نطمئن لخطب وتصريحات ووعود ؟ وهل يمكننا بعد التخلص منهم في الانتخابات القادمة ؟ وهل من السهولة الجمع بين كذبهم وتملصهم وتناقضهم وجرأتهم في وسائل الإعلام ؟ إننا نرى الخطر محدقاً يحيط بنا ثم نعلل النفس بالوهم والإسترخاء وحسن النية ، لأن زيداً قال كذا وبكراً قال كذا وعلان وعد كذا وفلان نصح بكذا !!!!! ونظل في ذات الدوامة منتظرين الفرج وظهور المعجزة التي لا نرى دليلاً واحداً ينبئ بظهورها ، أن واقع العراقيين المر وتقاعسهم واستسلامهم أدى ليجعل يد الارهاب والطبيعة اقوى منهم ، إن واقعهم المر ليس مجرد تفجيرات وعوز إقتصادي وتفاوت طبقي بل هو تخلف ديني وغياب إيمان جعل من يد الارهاب أقوى وجعل من المطر النعمة الإلهية نقمة بشرية ، إن الإتكال على نوع من السياسين لحل مشكلات العراق هو الوهم بعينه وهو التضييع وهو الركون للذين ظلموا المنهي عنه في القرآن ، إن العراق يعاني من استسلام شعبه لطبقة أو لفئة من المزيفين المخادعين الذين سخروا الوطن لمنافعهم ومنافع اتباعهم ، ولئن كان الظرف الآن لا يحتمل الانتظار لكي تعالج المشكلة من أساسها ولا يتسع للانشقاق والإنقسام فيبقى أمام العراقيين واجب واحد وهو التنبه لمن ينتخبون في المرحلة المقبلة فيلتفوا حول من يثقون به وبعلمه وعدم تكالبه على الجاه والمنصب ، ولينتخبوا الطاهر النقيب الغير ملوث المعروف النشأة والتكوين .
مقالات اخرى للكاتب