في سابقة لم تحصل قبلها على المستوى الدولي والأقليمي ولافي العراق على مدى تأريخه ، وقع وزير الموارد المائية العراقي ، خلال مرافقته لرئيس الوزراء في زيارته الى تركيا ، ما أسمته وزارته ( مذكرة تفاهم ) مع وزير الغابات وشؤون المياه التركي ضمت ( 12 ) مادة ، قال بيان الوزارة أنها أكدت على ( أهمية ) التعاون في مجال ادارة الموارد المائية لنهري ( دجلة والفرات ) وتحديد الحصة المائية لكل دولة في مياه النهرين ، لكنها جاءت بشروط تركية تعسفية وملزمة للعراق خلافاً للمواثيق والأعراف الدولية الحاكمة لمثل هذه ( التفاهمات ) بين الدول المتشاطئة للأنهار العابرة لأراضيها .
من بين الشروط ( سمتها الوزارة بنود ) التي تضمنها بيان وزارة الموارد المائية العراقية ، (أجراء الدراسات المشتركة لتحديث أنظمة الري الحالية وأستخدام الانظمة المغلقة والمضغوطة في شبكات الري ليتم تنصيبها من جديد والتأكيد على أهمية مشاركة الشركات التركية بأعمال أنشاء شبكات الري في العراق وتوفير الخدمات والمواد والمستلزمات الضرورية ومشاركتها في أعمال أنشاء شبكات مياه الشرب ومنشآت المعالجة في العراق أضافة الى مشاركة الشركات التركية بالمناقصات المتعلقة بتنظيف الترسبات وأزالة الادغال والاعشاب والنباتات الاخرى من قنوات الري والمبازل في العراق ) !.
لكن الأخطر في ( مذكرة التفاهم ) سيئة الصيت هذه ، هو ما جاء بالنص الآتي في بيان الوزارة ( وبناءاً على ذلك ستقوم تركيا باطلاق كميات من المياه منصفة وعادلة الى نهري دجلة والفرات )!! ، وهو أعتراف صريح من الحكومة التركية بعدم أطلاقها كميات منصفة وعادلة من المياه لنهري دجلة والفرات قبل توقيع المذكرة ، اضافة الى أن تلك الشروط توجب اختيار الشركات التركية بشكل تفضيلي ملزم على الوزارة في كل مايتعلق بموضوع المياه في العراق ، بغض النظر عن شروط المناقصات التي تعلنها وزارة الموارد العراقية ، أو طبيعة الشركات التي يفترض أن تختارها الوزارة لتنفيذ مشاريعها ، وهو أمر خطير وغير مقبول ويمس سلطة القرار العراقي الذي يفترض أن يكون مستقلاً ووطنياً خالصاً ، قبل أن نأتي على مستوى الكفاءة الذي توضع فيه الشركات التركية قياساً للشركات العالمية التي تعمل بنفس الاختصاص .
ما أوردناه اعلاه هو محتوى بيان وزارة الموارد المائية حول مذكرة الـ ( تفاهم ) التي وقعها وزيرها مع الوزير التركي ، وماتضمنه البيان من خطورة وتداعيات على الأمن المائي العراقي وعلى سيادة القرار الرسمي العراقي ، يفرض على الوزارة نشر النص التفصيلي الرسمي للمذكرة ، كي نتبين بوضوح لايقبل اللبس ماتضمنته نصوصها من فروض وموجبات قد يكون أغفلها البيان بقصد أو بدونه ، وقد يكون بعضها أخطر بكثير من التفاصيل المعلنة .
أذا كانت الوزارة الجديدة في العراق تجتهد لترميم العلاقات الشائكة مع دول الجوار والعالم ، مثلما تجتهد في ترتيب البيت السياسي الوطني المفكك ، فأن أبجديات الترميم يجب أن تستند أولاً على العمل لضمان حقوق العراقيين وفرض أحترام قرارهم الوطني المستقل وليس على تطييب خواطر الآخرين مهما كان شأنهم ، خاصة أولئك المساهمين الفاعليين في أدامة الفوضى التي تخدم أجندات الخراب في العراق ، ومارشح من زيارة رئيس الوزراء العراقي الى تركيا لايتوافق مع محتوى ونوع المذكرة التي وقعها وزير الموارد المائية العراقي المرافق له ، وهو مالانريده لحكومة عراقية تتصدى لملفات مصيرية شائكة تتطلب منها منهجاً رصيناً متماسكاً وأداءاً نوعياً موحداً لانجاز مهماتها ، والى أن تفصح وزارة الموارد المائية العراقية عن أصل ومحتوى ماوقعه وزيرها ، ندعو جميع المختصين في أدارة المياه وأتفاقياتها الى المساهمة في قراءة المذكرة وبيان الرأي فيها ، وهو مانعتقده واجباً وطنياً يستحق العناء .
مقالات اخرى للكاتب