مرت علينا قبل أيام أعياد الميلاد المجيد لإخوتنا في الإنسانية (من النصارى) وهي تمثل عندهم ذكرى ميلاد نبي الله عيسى المسيح (ع).وبعد يومين يدخل علينا العام الميلادي الجديد 2016 م، وهي مناسبة عالمية ــ لا تقتصر على النصارى فقط ـــ تحتفل فيها كل شعوب العالم على اختلاف مشاربهم ودياناتهم لكونها حدث عالمي وإنساني لدخول سنة ميلادية جديدة.إذ الكل يأمل فيها ويتمنى فيها الخير والسعادة، ومن منا يستطيع تجاهل التقويم الميلادي! فهو يلازم الإنسان منذ أول يوم يخلقه الله في هذه الدنيا الفانية ومن ثم تتوالى متلازمة تسجيل الأحداث بالأيام والشهور والسنوات. فـتأريخ تولد الإنسان موثق به، وتأريخ دخول المدرسة موثق به، وتأريخ التخرج موثق به، وتأريخ التعيين لذوي الحظ الأوفر موثق به، وتأريخ الزواج لمن يقبل عليه موثق به، وانتهاءً بتأريخ الوفاة – أطال الله في أعماركم – موثق به أيضا.ومماأذكره في سنوات الطفولة إننا كنا نتهيأ لهذه المناسبة من قبل يومين من دخولها بأن نقطع غصن شجرة ذا حجم مناسب ليكون شجرة عيد الميلاد على أن يكون أقرب إلى شجرة السرو أو الصنوبر اللتين تكونان نادرتين عندنا في أجواء البصرة الحارة فيقع اختيارنا على غصن شجرة هي الاقرب بالشكل لها كما كان يخال لعقولنا الطفولية حينها وهي شجرة الأثل التي كانت وفيرة في البصرة خلال تلك السنوات.فنضعها في أصيص ونقوم بتزيينها وتلوين صغار فروعها فتكون قريبة من شجرة عيد الميلاد ونجلس بقربها ننتظر دقات الساعة 12 ليلا معلنةً دخول العام الجديد.أما اليوم فقد يخرج علينا بعض الظلاميين بآرائهم أن الاحتفال بدخول العام الميلادي الجديد هو بدعة ورجس من عمل الشيطان، ونحن الآن في هذا العام الجديد (2016م) نكون قد تجاوزنا منتصف العقد الثاني من القرن الواحد والعشرين، ولايزال هناك عديد من الجهابذة ممن نصبوا أنفسهم أوصياء على المسلمين، يعطون لأنفسهم الحق بأن يكفروا فلانا، ويسفهواعقل فلان من الناس، لا لشيء سوى لأنه ضد فكرهم الصدئ والبالي. فبأي عرف أو قانون تقاس درجة إيمان المسلم؟؟ هل تقاس بمدى قربه وإيمانه واعتقاده بالخالق أم بتطبيق شرع وقانون هؤلاء الجهابذة بالغلو في الدين وبالاعتماد على نصوص وروايات بالية – أكل الدهر عليها وشرب ــ وربما تكون منسوبة ومشكوك بصحة سندها ؟ فتكون معيارا لتقييم الإنسان المسلم المؤمن وغير المؤمن؟!! أخوتي في الله، إنّ مسألة الإيمان بالله هي خط أحمر وهي تخص الإنسان وعلاقته بالخالق وليس من حق أي كائن أن يفرض رأيه على شخص ما، إلا من باب النصح والوعظ ، إن كان ناصحاً فعلاً.هناك قول لرسول الرحمة محمد”صـلى اللهُ عليهِ وآله و سلـم “: (لا فرق بين عربي و لا أعجمي و لا أبيض ولا أسود إلا بالتقوى) ، ومنه يتضح أن معيار قرب المخلوق للخالق ليس بلونه أو قوميته أو حتى لغته وإنما بأعماله الصالحة التي فيها تقوى الله، وفي تعريف الإمام علي (ع) للتقوى يقول: (التقوى أن يتقي المرءُ كل مايؤثمهُ)، ولانعتقد بأن الاحتفال بحلول سنة ميلادية جديدة فيه شيء يؤثم المرء، إلابما حرمه الدين الاسلامي من مظاهر تتقاطع كلياً مع تعاليم ديننا الحنيف كشرب الخمر وقطع الطرق ومضايقة الناس بحجة الاحتفال والفرح، وهو ما أقدم عليه بعض الشباب الطائش لنفس المناسبة في سنوات ماضية. إن ثقافة الاحتفال تكتسب بالاطلاع على ثقافات الشعوب المتحضرة حيث كلٌ يعرف حقوقه وواجباته دون تجاوز على القانون ولا على حقوق الآخرين،فاليوم باتت شجرة عيد الميلاد (البلاستيكية) متوفرة في الأسواق التجارية بمختلف الأحجام ومن السهولة الحصول عليها. وفي خبر مفرح يبعث على الأمل مفاده, إن امانة بغداد بادرت لنصب شجرة عيد ميلادعملاقة في متنزه الزوراء الأشهر في بغداد ابتهاجاً بحلول العام الجديد 2016م. وأمنياتنا أن تكون سنة خير  على  عموم الإنسانية، وعلى العراقيين بوجه خاص.