الازمة المالية او الضائقة المالية التي يحب مستشار رئيس الوزراء السيد وليد الحلي تسميتها كانت مدرسة عظيمة لكل شرائح الشعب العراقي. الضائقة المالية كشفت رخاوة الاقتصاد العراقي وفقر المخطط الاقتصادي , لان هناك دول كثيرة لا تمتلك ثروات العراق ولكن استطاعت بوقت قياسي نقل مجتمعاتها من منطقة الفقر الى منطقة الرفاه الاقتصادي وخير دليل على ذلك هي دول النمور . بالطبع لا يحق لنا وضع كل اللوم على القادة الجدد لمعرفتنا بان النظام السابق قد سلم العراق بدون خزينة , بنى تحتية مدمرة, وخراب في جميع المشاريع الاقتصادية الزراعية والصناعية . رب ضارة نافعة , الضائقة المالية فتحت عيون الساسة بوجود خلل في البنية الاقتصادية ويجب إصلاحها . بكلام اخر اتفق الجميع على ان يكون الاقتصاد العراقي اقتصادا غير معتمد كل الاعتماد على بيع سلعة واحدة "النفط" وترك جميع القطاعات الاقتصادية الأخرى تتغذى عليه , وانما يحتاج العراق الى اقتصاد يعتمد على اكثر من قطاع ,فاذا تراجع قطاع معين يسد هذا الترجع ذلك القطاع انتاج قطاع اخر .
اشترك كثير من النخب المثقفة في مناقشات الضائقة المالية والاقتصاد العراقي , وقد خرجت كتابات جميلة ممزوجة بحب الوطن والهم العراقي و تطرح حلول محترمة للضائقة المالية , ومن هذه الحلول كانت
بيع أراضي الدولة كقطع سكنية للمواطنين
بيع المؤسسات الصناعية الفاشلة الى القطاع الخاص
تقليص رواتب الموظفين من الدرجة الأولى
فرض الضرائب على السلع الكمالية
جباية أجور الماء والكهرباء
توقف التوظيف الحكومي
كل هذه التوصيات ,هي توصيات محترمة ولكن لا تحل المشكلة الأساسية , وان استطاعت حل الضائقة المالية لعام 2015 فأنها سوف تعجز عن حل المشاكل المالية للسنوات القادمة بدون اصلاح بنية الاقتصاد , أي تأسيس قطاعات اقتصادية قادرة على امتصاص مشكلة تذبذب أسعار النفط في الأسواق العالمية .
النائب السيد جواد البولاني في برنامج الساعة التاسعة والتي تبثه الفضائية العراقية في يوم 28 كانون الثاني اقترح , اقتراح معقول وعملي جدا وهو تركيز العراق على انتاج ما يستطيع المنتج العراقي انتاجه بكفاءة عالية , مثل التركيز على انتاج عشرة أنواع من الإنتاج الزراعي والحيواني و عشرة أخرى من المنتوجات المصنعة . على سبيل المثال التركيز على تربية الدجاج والاسماك النهرية , تربية المواشي , زراعة الحنطة والشعير والرز و التمور . كما وان العراق يملك الطاقة الرخيصة لصناعة الصلب والحديد , الأسمدة الكيماوية , الورق , المواد البلاستيكية , مصافي النفط , الطاقة الكهربائية , ومشاريع البتروكيماوية .
لا اعتقد ان العراق بحاجة الى خبرات اجنبية ليتعلم منها الراقي عن كيفية تربية الأسماك النهرية , لان العراق يزخر بكل أنواع الخبرات الصناعية والزراعية والخدمية . العراق يحتاج الى رأسمال , لان الحكومات السابقة عاقبت أصحاب الأموال ولا احد يعرف ما هو السبب . وطالما وان العراق يعاني من قلة رأسمال , فان الطريق المعقول هو الاستعانة برأسمال الأجنبي لكثرة فوائده منها:
1.دخول رأسمال الأجنبي يؤدي الى انخفاض سعر الفائدة في السوق المحلية .
2.دخول رأسمال الأجنبي يؤدي الى تقليص عدد العاطلين عن العمل.
3.رأسمال الأجنبي يطور الطبقة العاملة العراقية على كيفية إدارة الموارد البشرية وعملية الإنتاج والبيع .
4.دخول المستثمر الأجنبي يطور المدن المضيفة له مثل فتح شوارع جديدة , مطار , مدارس , ومستشفيات .
5.الاستثمار الأجنبي يمنح فرص تطور المستوى العلمي لأبناء المدن المضيفة له مثل الزمالات الدراسية , الدورات التدريبية , والسفرات المجانية .
6.الاستثمار الأجنبي يؤدي الى تقليص الفساد الإداري والمالي .
7.الاستثمار الأجنبي يؤدي الى تطور قطاعات اقتصادية أخرى.
8.ووجود استثمار اجنبي كثيف يعتبر عامل استقرار سياسي وامني في البلد.
بطبيعة الحال , الاستثمار الخارجي سوف لن يقضي على جميع المشاكل الاقتصادية في لعراق , وانما سيكون عامل مساعد على التطور الاقتصادي وعلى العراق والمخطط العراقي البحث عن قطاع اخر بجانب القطاع النفطي قادر على ديمومة التطور الاقتصادي , واعتقد ان البداية الصحيحة لهذا الاتجاه هو "ثورة الفؤوس ". هذه الثورة سوف تحرك جميع القطاعات الاقتصادية لمدة زمنية لا تقل عن خمسين عام .
حاجة العراق من الدور السكنية تقدر بحوالي 2.5 مليون وحدة سكنية , إضافة الى ما تحتاجه دوائر الحكومة الفدرالية والحكومات المحلية . ولو استطاع العراق انتاج نصف مليون وحدة سكنية في العام الواحد فان هذا الإنجاز سوف يصفر عدد العاطلين عن العمل بكل اختصاصاتهم. حوالي 70% من المواد الأولية للبناء من الممكن توفيرها محليا , مثل الجص , الاسمنت , الحصى , الرمل , والطابوق . واذا استطاع المخطط الاقتصادي من بعث الحياة الى معمل الصلب والحديد و استيراد معامل لصنع الأبواب والشبابيك لأصبح اعتماد قطاع البناء على المواد المحلية بنسبة اكثر من 90% , وهي نسبة تضاهي نسبة تصنيع الجرارات الزراعية او السيارات او الثلاجات الكهربائية . التأثيرات الاقتصادية لقطاع البناء لا تنتهي الى الصناعات الداخلة في هذا القطاع وانما يشمل قطاعات اقتصادية كثيرة أخرى. بعث الحياة الى قطاع البناء سوف ينعش قطاع الأثاث , قطاع النقل , قطاع الحدائق , بيع الأجهزة الكهربائية , الفرش , أدوات الطبخ وقطاعات مهمة أخرى . أعتقد ان السير في هذا الاتجاه ممكن جدا في ظل الظروف الاقتصادية الحالية وسوف يحرك السوق العراقية بسرعة قياسية. لقد كان أحد الأسباب الرئيسية في القضاء على الركود الاقتصادي الذي ضرب الاقتصاد الأمريكي في أعوام الخمسينات من القرن الماضي هي ثورة البناء التي اقترحها الاقتصادي المعروف "سامن ".
مقالات اخرى للكاتب