منذ سقوط النظام السابق، ونحن نأن تحت وطأة الفساد المستشري في جميع مفاصل الدولة، ونعاني فقدان الأمن، وفقر مدقع، ونقص مزمن في الخدمات، وصحة متدهورة، وانهيار في التعليم ودوام ثلاثي بسبب نقص المدارس، لا صناعة ولا زراعة ولا حتى سياحة، ووزير تجارة سرق حصتنا التموينية، ليتنعم برغيد العيش في مدينة الضباب، دولة تكرست فيها الواسطة الإدارية، وابتعدت عن المؤسساتية بكل ما أؤتيت من قوة، بحيث أصبح المواطن يترحم عمن مضوا..
ولو القينا نظرة بسيطة على الإحدى عشرة سنة الماضية، لوجدناها سياسيا انتقلت من حكم بريمر وزلماي، الى حكم الأشهر المتوالية في مجلس الحكم، الى الجمعية الوطنية وأياد علاوي، ثم الجعفري وأخيرا في محطة الثمان سنوات الأخيرة.
الثلاث سنوات الأولى؛ بخيرها وشرها علينا نسيانها، لأنها فترة انتقالية، والمؤسسات منهارة، ولم تقف الدولة على أرض صلبة فلا قوانين ولا دستور ومسؤولون مؤقتون، أما الثمان سنوات الأخيرة، فكان العراقيون يعولون عليها كثيرا،وتمنوا الخير الكثير منها.
لكن الواقع وحوادث السنوات الثمان، جاء بعكس ماتمنيناه، ففساد الدولة وانهيارها أصبح واقعا، وأنها تدار بالوكالة،الداخلية والدفاع والمالية والأمن والمخابرات، وادارة البنك المركزي، والهيئات المستقلة ومنها النزاهة والمساءلة والعدالة عينتها السلطة التنفيذية، والشركاء أصبحوا خصوما، ويجري العمل على تسقيطهم وبأعلام الدولة، الذي أصبح بوقا أضافيا للحكومة ضد الخصوم والبرلمان منهم، بالإضافة الى الفضائح المتكررة لأولاد كبار الدولة.
وبنظرة أخرى إلى الإعلام القوي المؤيد للسلطة والفضائيات العديدة، والتي أصبحت صديقة في ليلة وضحاها، بعد أن كانت من ألد الأعداء لرأس النظام الحاكم تحديدا، لوجدنا هذا الإعلام؛ يتحدث عن منجرات الثمان سنوات وخروج المحتل، وهندسة الاتفاقية الأمنية مع الأمريكان؛ الذين ذهبوا وتركونا، نبحث عن وعود كاذبة من سلطة فاشلة، ونحن نموت يوميا بلا رحمة، وبلا أمن وبين فكي الإرهاب وفساد الدولة.
مثلا يوم 16/5/2009م وقبل الانتخابات "السابقة"، الرئيس التنفيذ الاعلى في البلد يعد الشعب العراقي، ببناء 4000 مدرسة وبمبلغ 4 مليار دولار، ومضى خمس سنوات ولم ينفذ الوعد، والدوام أصبح ثلاثي بدل الثنائي، ولم يعلم العراقيون حال الأربعة مليار دولار؛ أو الى أي جهة ذهبت، وأين مصيرها، وكذلك الكهرباء وتصديرها، وتصفير العاطلين، والازدهار الاقتصادي وغيرها من الوعود الكاذبة.
وأيضا منجز أخر، وهو توزيع الأراضي على الفقراء، ولا نعرف مدى صحة فقرهم أو قربهم من المسؤول، أو صحة السندات الموزعة، حيث أنها تخلوا من رقم القطعة والتفاصيل، ولو كان توزيع قطعة أرض هو أنجاز الولايتين السابقتين، فعلينا الانتظار لعشر ولايات أخرى حتى نرى ناطحة سحاب واحدة في بغداد.
فالكل متفق بعد السنوات العجاف على الخراب، لكن ما لا يعلمه الكثير من البسطاء، أن هناك سلطة لفئة حاكمة، إستحكمت على كل شيء في البلد، وبنت مؤسسات وهيئات انتخابية وإعلامية خاصة بها؛ في الخارج والداخل، تقدر بمليارات الدولارات خلال هذه السنوات الثمانية، بعد أن جاءت من الخارج، مصفرة الوجوه من الجوع والخوف .
ولذلك فإن المرجعية لم تسكت على سنوات الفشل الماضية، وأصدرت فتوى، تقول علينا أن ننتخب الصالح، ونبتعد عن الطالح الذي أُنتخب سابقا، والذي عمل لمصلحته الشخصية وجماعته وكيانه وحزبه، وهذا ما يريده الشعب العراقي بكل فئاته وأطيافه، فنحن نريد بناء دولة لا بناء حزب، ولذلك علينا إنتخاب رجل دولة لا رجل حزب.
مقالات اخرى للكاتب