ليس الوقت وقت سحب الثقة عن حكومة السيد حيدر العبادي بعد ان أصبحت إدارة هذه الحكومة الأصعب في العالم وتحتاج العون والمساعدة من القريب والبعيد. هذه الحكومة تعاني من العديد من التحديات وعلى راسها تحدي داعش على الجبهات الغربية من البلاد , تحدي تدهور أسعار النفط في الأسواق العالمية وتاثيراته السلبية على الاقتصاد الوطني , وهناك التحدي الداخلي المتمثل بالتظاهرات الأسبوعية والوقفات الاحتجاجية اليومية والتي أصبحت تدور الشكوك في توجهاتها , وهناك تحدي وقوع الحكومة بين كماشتين , البطىء الأمريكي في مساعدته للعراق في حربه مع داعش , وحماس الإدارة الروسية في دعم العراق الى درجة يسيل لها اللعاب .
كل واحده من هذه التحديات تحتاج الى تكاتف جميع القوى السياسية الفاعلة لابعاد تاثيراتها السلبية عن العراق. واذا كنا نتفهم ان بعض الأحزاب والكتل خارج اطار الائتلاف الوطني تضع العراقيل واطلاق الاتهامات ضد حكومة السيد العبادي , فاننا لا نفهم لماذا انضم ائتلاف دولة القانون الى هذه الجوقة ؟ لقد اتهمت دولة القانون حكومة السيد العبادي بعدم "مشاورة رئيس كتلته في كثير من القرارات التي أصدرها مؤخرا" , والتي شملت كما جاء في بيان الائتلاف : الترشيق الوزاري , حزمة الإصلاحات الأخيرة , التعينات والطرد, سلم الرواتب , والحشد الشعبي.
بينما لا ينكر ان التشاور في شؤون إدارة البلاد مع الأحزاب والكتل الفاعلة تصبح ضرورية في زمن الحرب لكسب التاييد الشعبي لها , الا ان التشاور في بعض الأحيان قد لا يؤدي بالنتيجة المطلوبة , حيث علمتنا التجارب العراقية ان التفاهمات بين الأطراف السياسية ليس سهلا وياخذ وقتا طويلا , واحسن شاهدا على ما نقول هو تأخر تشريع قانون الاستثمار , قانون المحكمة العليا , قانون النفط والغاز , قانون الأحزاب , وقانون الحرس الوطني . ان احد اهم مشاكل الديمقراطية هو تأخر اتخاذ القرارات .
لا اعتقد ان أي من قادة ائتلاف دولة القانون سوف يأخذ طريقا مغايرا لطريقة السيد حيدر العبادي في إدارة المشاكل التي تحيط بالبلاد , لان الرجل هو واحدا منهم , وهم منه. وهذا ما صرح به النائب عن دولة القانون السيد مفيد البلداوي والذي يقول فيه ان " ائتلاف دولة القانون , مقتنع بنسبة 80% من سياسات العبادي وقراراته , كونها تخدم المصلحة العامة". وعليه فان السهام والنبال التي وجهها بيان ائتلاف دولة القانون هي نفس تلك السهام والنبال التي كانت تطلقها الكتل والأحزاب الشيعية بوجه السيد كامل نوري المالكي في دورته الثانية . بكلام اخر , لا جديد في اللعبة الديمقراطية في العراق , الكل ينتظر دوره في الاستنكار و التنديد و زرع الألغام في طريق خصمه .
اعتراض كتلة دولة القانون على طريقة السيد العبادي كان سياسي بامتياز وليس من اجل اسقاطه او من اجل اغلاق ملفات الفساد المالي والإداري التي صاحبتا حكومة السيد المالكي كما يشيع لها أعداء السيد المالكي والقوى المعادية للاسلام السياسي, حيث ان عدد تهم الفساد الإداري والمالي ضد القوى العلمانية اكثر من عددها ضد القوى الإسلامية . ان تحركات ائتلاف كتلة دولة القانون في هذا الوقت بالتحديد هو من اجل كسب ود وعطف و تائيد الناخب العراقي وتحضيره للانتخابات النيابية المقبلة. الائتلاف عرف اللعبة الديمقراطية اكثر من بقية الأحزاب العراقية الأخرى وهي التصنت الى حاجات ورغبات الناخب العراقي . في هذه المرحلة , اصبح الشارع العراقي يطالب بالإسراع على القضاء على مجاميع داعش الإرهابية بعد ان لاحظ بطىء التحركات الامريكية تجاه هذه المجاميع والتي سماها المستشار الأمني والخبير في شؤون الإرهاب السيد هاشم الهاشمي (نظرية الكلب والذباب) . المواطن العراقي اصبح يتحسس من السياسة الامريكية ضد الحشد الشعبي , ذلك الحشد والذي تدين له رقاب جميع العراقيين , ومحاولة ابعاده عن جبهات الانبار . ومطالبة المواطن العراقي باشراك القوات الروسية في محاربة داعش , خاصة بعد إنجازات الطيران الروسي المدمرة ضد داعش في سوريا والتي اللهبت مشاعر العراقيين واصبحوا يطالبون الحكومة بتطوير التعاون المعلوماتي مع الروس الى تحالف . هذه المطالب أراد ائتلاف دولة القانون تبنيها , حتى وان كانت على الورق فقط , ليجمع من حوله اكبر عدد من الناخبين المؤيدين له . وهاكذا أصبحت هذه المطالب مطالب أعضاء الائتلاف , حيث جاء في تصريح للسيد جاسم محمد جعفر , من كتلة دولة القانون بان ائتلافه " سيسحب التفويض من العبادي في حال عدم تفعيل التحالف الرباعي وتطوير عمله من تبادل المعلومات الاستخباراتية الى مشاركة الطيران الروسي في مواجهة داعش او عقد اتفاق ثنائي مع موسكو". وهذا بالضبط هدف بيان ائتلاف دولة القانون وهو حشد اكبر عدد من العراقيين خلفه.
ان تهديد كتلة دولة القانون للسيد العبادي بسحب الثقة عن حكومته غير ممكن وغير مرغوب به في المرحلة الحالية والعراق يخوض اشرس معركة ضد اشرس مجاميع إرهابية عرفتها منطقة الشرق الأوسط في العصر الحديث . وليس من الحكمة ان ينشغل بعض سياسيو كتلة دولة القانون بجمع تواقيع سحب الثقة عن الحكومة السيد العبادي وأبناءنا من الحشد الشعبي يتحنون بدمائهم كل يوم . ولهذا فان تحرك الكتلة لم يؤخذ بمحمل الجد او الأهمية , والكل يعلم انه لو كان السيد نوري كامل المالكي على راس السلطة لما اختلف كثيرا عن طريقة إدارة السيد العبادي , ولكن الضرورة تبيح المحظورات كما يقول المثل العراقي, وفي هذه الحالة فان ائتلاف دولة القانون اختار اطلاق تهديده و وعيده للسيد العبادي لا لشيء الا لاغتنام الفرصة , غضب الشارع العراقي ضد سياسة الامريكان تجاه الحشد الشعبي المبارك و البطىء المتعمد في مساعدة الحكومة العراقية لدحر داعش , حتى يبقى القوة الكبيرة في مجلس البرلمان في الدورة القادمة.
مقالات اخرى للكاتب