جاء بيان ائتلاف "متحدون" الأخير حول إصلاحات العبادي ليكشف انهم يضحكون على جماهيرهم وعلينا وكأن لسان حال عقلهم يقول: يمعودين هوه منو يقره منو يكتب؟ جاءت في بيانهم جملة وكأنهم يخاطبون شعبا أميا بأجمعه. قالو: "طالما أكدنا على ضرورة تبني اُسلوب المنهج العلمي في استخلاص وتقييم الأداء الحكومي". هنا استأذن القراء الكرام ان يتركوني أفهمّهم لأني اليوم متحمس ان أخلي راسي براسهم حتى لا يكرروا لعبة التلاعب بالألفاظ والمصطلحات "الفخمة" ليوحوا بأنهم "علماء" ونحن "غشماء". ربما سأدوخكم، فعذرا.
أولا، انهم ائتلاف سياسي وليس مركزا للبحوث العلمية. فشجاب السياسي على الباحث العلمي؟ الأول شغلته ان يتحايل ويراوغ لتحقيق مكاسبه والثاني يجب ان يكون موضوعيا ينحاز للحقيقة العلمية مهما كانت مصائبها او فوائدها. ثانيا، انهم قطعا قصدوا "منهج البحث العلمي" وليس "المنهج العلمي". وهذه سأعبرها لهم لانها وحدها كافية لتدل على انهم يقولون ما لا يفقهون.
ثالثا، انا معهم بان الاستفتاء يعتبر واحدا من أدوات البحث العلمي وان كان أضعفها. لكن اعتماده علميا يتطلب إجراءات لو خضت بها تفصيلا احتاج كتابا. من قال ان الاستفتاء هنا أداة ناجحة لتقييم أداء الحكومة؟ ثم عندما اضع استفتاء يجب أولا ان احدد أهدافا او فرضيات. والفرضيات أنواع اهمها ما نسميه "الصفرية" او "البديلة". ثم في ضوء أهداف وفرضيات البحث نبني فقرات الاستفتاء. هذا يتطلب دراسة استطلاعية ثم مراجعة للدراسات والبحوث السابقة ذات المساس المباشر او غير المباشر بغرض البحث. الخطوة التالية نسميها "الصدق" وهو ما يتطلب عرضه على خبراء او اعتماد أساليب إحصائية لقياسه. ثم يأتي موضوع "الثبات" وهذا يتم اما عن طريق إعادة تطبيقه او اعتماد معادلات إحصائية خاصة لاستخراجه. والأهم من هذه كله هو "العينة" وقواعد اختيارها من دون تحيز. بعد كل ذلك يطبق الاستفتاء ثم تختبر نتائجه احصائيا. معادلات إحصائية متفق عليها هي التي تقول ان الفروق في الإجابات ذات دلالة او ليست ذات دلالة ليصح بعدها تعميم النتائج من عدمه. إجراءات لو طبقت بأمانة تحتاج عاما على اقل التقديرات لإنجازها. من هنا يأخذ الحصول على شهادة عليا تعتمد منهج البحث العلمي سنوات وسنوات.
يا حضرات "متحدون": هل من المعقول انكم طبقتم هذا كله بين ليلة وضحاها؟ أتظنون انكم لمجرد ما وضعتم أسئلة على ورق صرتم علماء وصار منهجكم علميا؟
عذرا لو دوخت قرائي بهذا الهذيان الأكاديمي المتعب. لكني أجبرت عليه لسببين:
الأول تصور هؤلاء الساسة ان الشعب غافل فيعبرون برأسه ما يشتهون سيرا على نهج لغة "المارد والقمقم". اما الثاني، وهو الأهم برأيي، ان بعض هؤلاء فيهم أساتذة جامعيون ومنهم من يدعي انه يحمل دكتوراه. أهكذا اذن تدرّسون أبناءنا معنى "المنهج العلمي"؟ لا قيّمنا.
مقالات اخرى للكاتب