قصة جديدة اثيرت ووجدت من يهتم بها, فقد رفعت الحكومة المحلية في كركوك علم الاقليم في المحافظة الى جانب العلم العراقي. وقد اثار علم كردستان انزعاج العرب والتركمان الذين عبروا عن عدم قانونية هذه المسألة. لكن احدى النائبات في التحالف الكردستاني نفت ان يكون العلم المرفوع هو علم كردستان وانما هو علم الامة الكردية. ولم افهم في الحقيقة – لأن قوميتي تعاني من فقر دم شديد – ما عنته النائبة في كلامها عن علم الامة الكردية. نعم انا لا افهم كل هذا التشنج من جميع الاطراف لسبب واضح هو: ان الحرب مع داعش لا تزال تدور، ومن الطبيعي ان يتنامى الشعور الوطني في الازمات. اعني انه حين يتعرض الوطن الى الخطر فلا بد ان يتنامى الاحساس بالوطن عند الناس, فيتحد الجميع امام العدو. وفي كل مكان نرى هذه النظرية تعمل بشكل سلس الا هنا. ان في كل حالة تهديد توجد نبضة دافئة من الحنين الى الوطن في اعماقنا.
اما في هذه الايام فقد تغيرت النظرية بالكامل، فمع وجود العدو يظل شعورنا بالوطن في حالة تشنج كبيرة. ومع ان الحرب دائرة, وفي الوقت الذي ينظر فيه الخطر الينا بعينين حمراوين ينشغل السياسيون بعلم رفع في مثل هذا التوقيت, ومن ثم سنشهد ما ستجره هذه القضية من تداعيات ورود افعال مختلفة.
النظرية تقول: اذا وجد العدو فعلى الكل ان يتحدوا, ويشعروا بخوف حقيقي على وطنهم. اما النتيجة فهي ان هذه القومية تخاف من الاخرى, وهذا الفكر يخاف من ذاك. ولهذا السبب تفقد القوى السياسية قدرتها على التأثير الا اذا حركت عند الناس الغريزة السوداء وهي الطائفية او التعصب القومي.
كل ما افهمه هو هذا: العلم العراقي هو العلم الرسمي للبلد. وحين اعترض البعض على رفع علم الاقليم فهذا يعني ان علم العراق لا يقبل شريكا له على الاطلاق.
ان الأعلام تتمتع بغريزة بقاء غريبة اذ لا يمكن ان تحمل بناية رايتين اثنتين وفي مكان واحد. هناك تنافر لا يدوم ابدا إلا بانزال احد الغريمين وإبقاء الغريم الآخر مرفرفا تحت سمائه الزرقاء.
حين قال داروين ان البقاء للاقوى فهو لم يكن يعني بالتأكيد المعركة الكلامية التي شغلت الحكومة والبرلمان والفضائيات. داروين كان يعني اعماق الغابة وما يجري فيها من عمليات تصفية لاجناس الحيوانات. الحيوان الاقوى سيصمد، اما الاضعف فسينقرض.
اذن لدينا نوع جديد من صراع الأعلام, يغذيه صوت حناجر المتخاصمين الذين لا يتعبون من الكلام. اين حدث هذا الصراع؟ حدث في بستان الديمقراطية الواسع، فلدينا اليوم من يبتهجون بافتعال مثل هذا الجدل الذي اسقط بيزنطة من قبل.
في بستان ديمقراطيتنا يفكر كل طرف تحت علمه الخاص به, لكن اي علم كان الزهاوي يعني حين ناجى علم العراق في احدى قصائده. واظن ان قومية الزهاوي كانت مصابة بفقر دم شديد.
مقالات اخرى للكاتب