مسؤول رفيع صعد الى المنصة في مناسبة حدثت قريبا ليعطينا خلاصة تجربته. هذا المسؤول تمرن جيدا على ابراز نفسه على انه طاقة جاذبة للخير والابداع. وهناك على المنصة, وامام مايكروفونات الفضائيات ارسل اشارات طاقته الايجابية لي انا الجالس استمع لخطابه المكتوب بلا روح.
لغة فارغة تماما كقشور بذور اليقطين. كلام مكتوب في دقائق ليتلى علينا دون ان نحس بأية خبرة عميقة تصلنا. بالعكس كانت الخيبة والطاقة السلبية تفوح من على المنصة التي تتكرر عليها الكلمات نفسها.
كنت اشعر بالانزعاج لأني لا اطيق اي كلام ليس فيه لمسة فردية. لا افضّل الاندماج بلغة عامة سطحية تبرر الاخطاء, وتعترف بالعجز.
لا افضل هذا النوع من اللغة غير المنسجمة مع اوضاعنا.
ماذا قال ذلك المسؤول الرفيع؟, وعن اي شيء تحدث.؟ جاءنا بابهته, وطلته ليقول ان اعوام الخير والدلال راحت، فاسعار النفط قد انخفضت, ولم يفكر احد في هذه المسألة، لذا فان على الحكومة ان تفكر جديا بحلول بعيدة عن النفط.
هذا ما قاله في خطابه السطحي المفتعل الذي جعلني ازداد خيبة امل. وفي الحقيقة انا لا اعرف كيف يمكن ان يتحدث مسؤول رفيع بهذه الطريقة؟، كيف يعلن شخص يجلس في موقع القيادة ان هناك تقصيرا في اتخاذ القرار؟، والآن لا بد من تلافي اخطاء الماضي, والبحث عن بدائل تعيد الى الاقتصاد بعض صحته.
ما اريد قوله هو ان مثل هذا الحديث هو حديث شخص بسيط يملك دكانا صغيرا, لكنه بعد فترة يفشل, ويقرر ان يغلق الدكان. وعند سؤاله عن سبب خسارته سيحدد اسباب فشله في العمل. هذا الشخص صاحب الدكان هو من يتحمل خساراته كعقاب
له.
اما بالنسبة الى اي مسؤول فانه يفكر بعقلية صاحب الدكان الذي فشل في عمله مع فارق بسيط وهو ان الخسارة لا تكون عقابا لأي شخص يتولى منصبا.
يعبر ذلك الذي تحدث من على المنصة ان اسعار النفط العالية لم تجعل الحكومة تتخذ خطوة جدية تستخدم لايام الطوارئ بعد هبوط اسعار النفط. لذا يقول مسؤول بأنه لا بد من تنمية الزراعة لمواجهة العجز
المالي.
عقلية صاحب متجر صغير لا تزال تفرض نفسها على كثير من سياسيي البلد. ببساطة كبيرة نسمع من يتحدث ان التنمية الزراعية والصناعية كانت في منطقة النسيان. وما جعل المسؤول الرفيع يتذكر التنمية هو قلة المال الداخل الى العراق. لكن هل يمكن لاحد ان يشعر بالرضا والامان ومثل هذه اللغة الخائبة تقال من على منصة حكومية.
وانا اكتب هذا العمود اتذكر كتاب نهرو اكتشاف الهند. اعني انك لن تكتشف بلدك الذي تعيش فيه, وتشم هواءه اذا لم تعرف كيف تحس به. لم يكن نهرو مثلا سينخدع باسعار النفط العالية لو كان مسؤولا في هذه الحكومة. لا لن ينخدع نهرو, ويبدو كأبله امام حشد من الجالسين الذين يغلون كقدور مرق.
مقالات اخرى للكاتب