ربما يكون الحديث عن التاسع من نيسان بعد هذه الاعوام حديثا لا يخلو من الحذر..لأنك لا بد ان تصادف الكثيرين ممن يناقشونك عن الفائدة التي جنيناها من سقوط نظام صدام حسين. نعم تسمع المقارنة التي تقول ما لذلك النظام وما حصل لنا بعد سقوطه. ومن الطبيعي ان تحسب على جهة معينة لو قلت ان التغيير كان لا بد ان يقع بهذه الصورة التي حدثت. ولو عدنا سنوات الى الوراء ثم شغلنا فيلم حياتنا من جديد، ووجدنا انفسنا في بغداد صدام مرة ثانية لقلنا ليت يد اميركا الناعمة تقلب الطاولة مرة اخرى لنتخلص من هذا الحكم الشمولي.
ما اريد التأكيد عليه هو اني لا ادافع عن لحظة قادتها اميركا واسقطت نظاما عنيفا وقاسيا. اريد القول ان الاعوام الماضية من التغيير دفعت عقولنا كما تدفع سيول قوية حصانا نحو المنطقة الاعمق. في الواقع قادتنا اخطاء المرحلة الجديدة ولم نستطع نحن قيادتها. لا ينكر احد ان التجربة كانت قاسية وفيها شيء كثير من دهاء السياسة التي لا يفهم منها الانسان العادي شيئا. من هنا بدأ البعض يبحثون عن نقاط الخلاف بين هذه المرحلة ومرحلة ما قبل عام 2003. وكانت اول حجة تذكر ان الامان المفقود كان صناعة وطنية انتجها نظام صدام. اننا ننسى رعب الحروب وايام الجوع حين تحول الخبز النظيف سلعة نادرة او غالية الثمن. اعتقد ان صدام استطاع ان ينظم الموت بطريقة بارعة جدا. حتى الحرب كانت تدور هناك في اماكن بعيدة وتصلنا اخبارها عبر تقارير يعدها رجال حذرون جدا لان عين السلطة الكبيرة والحادة النظر تراقبهم.
نحن نشبه كثيرا العجوز في قنينة الخل التي رواها
كاتب انكليزي، فالعجوز المسكينة تعيش في حدود
القنينة وحين اخرجها جني من مكانها الضيق الحامض
طلبت كوخا، ثم طلبت بعد زمن بيتا لان الكوخ صغير. وكررت الطلب فاستبدل الجني البيت بقصر. لكن العجوز شكت من جديد طالبة خدما للقصر لأنه كبير وليس بقدرتها الاشراف عليه وترتيبه. هنا انزعج الجني واعادها الى القنينة سجنها الاول
اذن الحياة في ظل ذلك النظام كانت عبارة عن قنينة معزولة عن العالم..لكن العالم الذي خرجنا اليه سبّب لنا صداعا جديدا. في الاعوام الـ 14 الماضية تغيرت القناعات لدى البعض على الاقل بأن الديمقراطية ليست حلا سحريا لمشاكلنا. ان العلاج المكتوب في الوصفة اكد انها حل مفيد لنا كشعب، الا ان التطبيق لم يأت بثمار كانت منتظرة. ومع ذلك فلا احد ينسى حالة النشوة الطفولية التي احسها حين مال تمثال صدام الى السقوط بتلك الطريقة. كان الاميركان يريدون ان يعطوا لتجمع ساحة الفردوس فرصة المشاركة في انجاز اللمسة النهائية للمشهد الذي انتظره العراقيون طويلا.
ما زال التمثال الذي مال للسقوط حيا في ذاكرتي كأني اراه الآن.
مقالات اخرى للكاتب