اين الحكمة في ان يتكلم من هب ودب في شؤون الناس !! واين العقل ؟ في ان يحكم الجُهّالة والعامة بين الناس !! العجب العجاب من زمن يسارع الناس فيه الى الفتن بمحض ارادتهم , ويسوقون الكذب والتفاهات بمليء افواههم , وبتبجح دون رادع انساني او اخلاقي , تمنيت لو يخرج بيننا حيص بيص اليوم , ذاك هو شهاب الدين ابو الفوارس سعد بن محمد بن سعد بن الصيفي الذي كان يتجول في الاسواق متفكراً متحيراً بأحوال الناس , فلما رآهم في حركة مزعجة من الشدة والاختلاط ناداهم بصوت عال "ما للناس في حيص بيص" فأسكتهم , وقد كان فقيه في الرأي مفتي في مسائل الخلاف . ماذا تراه يقول اليوم ؟ وبأية كلمات يوصف الناس ؟ فالهرج والمرج " قيل يا رسول الله : وما الهرج والمرج ؟ قال (ص) : القتل والاقتتال " , ولبس الحق بالباطل , والظلم يفتن دهراً , والجوع يعصف قهراً , والناس بين هذا وذاك حيرى يتخبطهم الشيطان ويقودهم الغلمان , فأظنه سوف يقول .. كما قال حين اشتد امر الناس " أنا أعيش في الدنيا مجازفة " , وكيف يصف الصراع الذي يدور في اروقة المسؤولين السياسيين والحكوميين من اجل مصالح ضيقة في وقت نحن بأمس الحاجة للطمأنينة والجلوس على مائدة واحدة . سفينة العراق لها القدرة على اكمال ابحارها للوصول الى مرافئ الامان رغم الهيجان الدائر في محيطات العالم ورغم خطورة القراصنة الذين يتربصون بنا الدوائر , فأشرعتنا تكيفت لتواجه الرياح الصفراء العاتية وبصائرنا تبدد ظلمة الغيوم السوداء التي يسوقها الشياطين بمآربهم الدفينة وحقدهم الاعمى , تعودنا على خوض المصاعب لكن ما يرهقنا ويخيفنا كثرة الملاحين ودسائسهم من اجل السيطرة على دفة القيادة دون وعي ومعرفة سوى النزوات والرغبات وحب الدنيا وشهواتها . من معطيات العقل والتدبّر السليم الالتفاتة إلى عواقب الاُمور ونتائج الأفعال في كل حركة او فعل , وعدم اعطاء الفرصة للمغرضين في تنفيذ مآربهم او السماح لهم في تسيس العواقب لمصالحهم والصيد في الماء العكر , وهذا يتطلب الحكمة في الادارة والقدرة على المناورة والرغبة في الاستشارة والاستخارة واعداد العدة بعد التوكل على الله . ويبقى لصاحبنا حيص بيص الرأي السديد بهذا الخصوص " قال ابن خلكان قال الشيخ نصر الله بن مجلي مشارف الصناعة بالمخزن وكان من ثقاة أهل السنة .. رأيت في المنام علي بن ابي طالب فقلت له يا امير المؤمنين تفتحون مكة فتقولون : من دخل دار ابي سفيان فهو آمن ، ثم يتم على ولدك الحسين في يوم الطف ما تم ، فقال : أما سمعت أبيات ابن الصيفي في هذا ، فقلت لا فقال اسمعها منه ثم استيقظت فبادرت إلى دار (حيص بيص) فخرج الي فذكرت له الرؤيا فشهق وأجهش بالبكاء وحلف بالله بان كانت خرجت من فمي أو خطى إلى أحد وإن كنت نظمتها إلا في ليلتي هذه ثم انشدني الأبيات: ملكنـا فكان العفو منـا سجيـة فلمـا ملكتـم سـال بالـدم أبطــــح وحللتم قتل الأسارى وطالمـا غدونا عن الأسرى نعف ونصفح فحسبكـم هـذا التفاوت بيننـا وكـل إنـاء بالـذي فيـه ينضـح
مقالات اخرى للكاتب