كنا في الصغر وبسبب قلة ذات اليد نتبادل مع اصدقاءنا المجلات القديمة ولم يكن يهمنا اسم المجلة او التوجه الفكري لها، واذكر باني كنت استعير من احد اصدقائي مجلة اسمها (المجلة) تصدرها وزارة الاعلام في جمهورية المانيا الديمقراطية التي اتحدت فيما بعد مع المانيا الغربية، وكانت رخيصة الثمن وكان توجهها اشتراكيا كونها تتبع المعسكر السوفييتي حينها،وكان في الوحدة الاندماجية للبلدين خير الشعبين مما عكس حنكة القادة في البلدين ونكران الذات لديهم على عكس حكوماتنا وسياسيينا، واذكر باني كنت اتلهف على كل ما هو عربي بين المطبوعات في منتصف السبعينات وهي بداية التشرد في المنافي، حيث كنت في دولة غير عربية ، وكنت اشعر بفرح غامر اذا ما رأيت مجلة عربية في السوق او بين اكوام الكتب المستعملة المعروضة للبيع على الرصيف ، ولعل اجمل ما في قراءة المجلات القديمة هو عدم الانفعال من الاحداث الموجعة لانها قديمة مضى عليها فترة من الزمن كفيلة بان تخمد نيران العواطف والانفعال والتفاعل.
والوقت الان هو عصر يوم صيفي طويل من صيف لندن الرائع ، هذا الصيف الجميل الذي يقصده مئات الالاف من السياح العرب والاجانب ، وهو صيف يستحق ان تشد اليه الرحال لاعتدال الجو فيه، وهطول بعض الامطار الخفيفة والرذاذ المنعش بين فترة واخرى، صيف بلا بعوض ولا ذباب، في عصر هكذا صيف وبين يدي عدد الاسبوع الاول من الشهر التاسع سنة2004 من مجلة المجلة التي تصدر من لندن اي ما يقارب العشر سنوات، وجلسة استرخاء وفنجان قهوة وعناوين وصور واخبار وتحليلات، بعضها لها علاقة بما يجري في البلدان العربية الان، وقد لفت انتباهي بعض هذه المواضيع ولا انسى ذكر اسم رئيس التحرير في حينه وهو الدكتور فهد عبد الله الطياش.
ووجدت في الصفحة الثانية صورة كبيرة للرئيس الفنزويلي شافيز وهو يعلن انتصاره في الاستفتاء العام الذي دعا اليه هو بنفسه ليحل مشاكله مع المعارضة في البلاد، وجه دائري حليق وسيم وبدلة في غاية الاناقة، سألت نفسي : اين هو الان؟واذا بالجواب يأتي : لقد غيبه الموت، وخبر عن عرفات اعني الرئيس ياسر عرفات الذي يبعث بضوء اخضر الى رفيقه محمود عباس للعودة الى الاضواء، اذن رحل عرفات هو الاخر ورحل رؤساء وملوك اخرين .
ووجت خبرا عن شوكت عزيز رئيس وزراء باكستان يصفه بانه على صفيح ساخن، فاي صفيح واية سخونة بقيت في باكستان ، لقد تغير كل شيئ وتعاقب على الحكم اناس جدد وماتت بينظير بوتو المراة الحديدية المعروفة وتولى زوجها رئاسة الجمهورية ثم وصل الخصم التقليدي لها السيد نواز شريف الى الحكم مرة اخرى بعد ان كاد الامر يخرج من ايدي السياسيين التقليديين بصعود نجم لاعب الكريكيت الاشهر عمران خان.
وهناك خبر ظريف وفيه دعوة من الحكومة السعودية للعراقيين بالتعاون مع حكومة بغداد لانه الخيار الامثل، وقد مرت العلاقات السعودية العراقية بفترات من الفتور والقطيعة حتى سمعنا هذه الايام بتحسن ملحوظ في العلاقات سينتج عنها تبادل السجناء بين البلدين.
خبر:القضاء اللبناني يلاحق صدام حسين وذوو الضحايا اللبنانيين في العراق طالبوا بمبلغ 20 مليون دولار تعويضا عن كل ضحية ، ولا ادري هل حصل هؤلاء على التعويض لحد الان ام لا ، لاسيما وقد تم اعدام صدام حسين ولم يبق منه شيئ يذكر علما بان مجلس شورى الدولة العراقية يرفض اعتبار الاجانب المقيمين في العراق والذين راحوا ضحايا في زنازين النظام شهداء لانهم اجانب ولم يكفل لهم الدستور انذاك حق الانتماء الى احزاب وجماعات سياسية في العراق، وفي هذا منتهى الظلم والتعسف لاسيما بحق الابرياء منهم.
وهناك خبر عن القذافي ليس المهم ذكر تفاصيله ولكن المهم هو انه الاخر لم يعد موجودا على الكرة الارضية، وما اسرع ما تنتهي القصص.
ويبدو بان هذا العدد كان مخصصا لموضوع الخصخصة في العالم العربي وهناك مقالات مطولة عن التخصيص في السعودية والكويت ولبنان والامارات والمغرب والاردن وغيرها ولا سيما مصر وما ادراك ما مصر ، لقد تغيرت الامور فيها ورحل الرئيس مبارك وجاء محمد مرسي وسيرحل مرسي قريبا حسب القراءات الموضوعية للواقع ، ولا ادري هل تم تحقيق الامال في الخصخصة ام انها مجرد خطوات متعثرة ، وضمن الابواب الثقافية صورة الغلاف لكتاب (محمد مؤسس الدين الاسلامي ومؤسس امبراطورية المسلمين) لمؤلفه جورج بوش الجد، وهل يعقل ان جورج بوش يكتب عن النبي محمد صلى الله عليه واله.
واخذتني الصفحات عبر الثقافة والفن والاكتشافات الطبية حتى اوصلتني الى الصفحات الرياضية واذا باخبار عن انطلاقة الموسم الكروي السعودي وفوز نادي الهلال بالبطولة وتسمية اللاعب المعروف ماجد عبد الله ( المعتزل حاليا) هداف الدورة، وفي الصفحات الثقافية صورة للمطربة اللبنانية نانسي عجرم مصحوبة بخبر عن تفوقها على عشرين مطربة اخرى والظريف ان الصورة وبالرغم من مرور عشر سنوات عليها الا انها لا تختلف كثيرا عما ظهرت عليه نانسي في حلقات عرب ايدول الذائعة الصيت ، ولكن هل يبقى الشباب الى الابد ام انه زائل كما ان كل شيئ زائل؟ والجواب هو بل زائل كما زال الرؤساء والملوك ويتغير كما تغيرت المدن وتحولت من مدن آمنة جميلة الى مدن قلقة تنام وتصحو على اصوات الرصاص.
وهكذا تنتهي الجولة في مجلة المجلة القديمة والى مجلة اخرى قديمة استودعكم الله ..
مقالات اخرى للكاتب