ما يجري من قتل جماعي للعراقيين أمام عجز و صمت المؤسسات الحكومية يمثل كارثة انسانية، و مزاج دموي يليق فقط باصحاب النفوس المريضة، التي تتصرف عكس ارادة العزيز القدير لتلقى لعنة في الحياة قبل الممات المذل، الذي يليق بكل رموزالفتن و التوتر و قطع سبيل المعروف.
و اذ نقول بصوت مسموع ان مؤسسات الدولة العراقية فشلت في حماية شعبها و فقدت شرعيتها و دستوريتها، فاننا نؤكد رفضنا القاطع لأي جهة تتوهم أن دماء العراقيين مستباحة ، وتحاول فرض ما يناسبها من مشاريع بلا عفة أو بقايا أخلاق، فشعب العراق لن يكون مشروعا اقليميا للذبح و تصفية الحسابات بالاستفادة من غياب الحكمة و المهنية والكفاءة عن عقول صناع القرار فيما يسمونه العراق الجديد، الذي تحول الى ساحة تنشط بها كل التيارات الحاقدة قولا وفعلا على هيبة هذا الوطن و عزة شعبه.
وقناعة منا بأن العنف الشامل ليس مشروعا طائفيا ولا مدرسة فكرية من عصور ما قبل الحجري، بل خيار سياسي في خلط الأوراق للابقاء على حياة مولود مريض ، وتصفية حسابات و عقد تاريخية مع الذات قبل الأخر، والا كيف يتحول العراق الى حمام دم يومي بلا ردود أفعال حكومية مقنعة أو حتى مقبولة، انه اللا توازن بين الفعل و نقيضه، بين المصالح و المسؤولية الوطنية و بين الحق و الباطل، أنها فعلا جريمة ضد الانسانية لا تتسعها ملفات لاهاي و لا غيرها من المحاكم الدولية، بعد أن تحول العراقي الى ضحية مدفوعة الثمن في مضاربة سياسية لعينة.
ولكي لا يقع الأخوة الأكراد في سوء التقدير مثلما هو حاصل مع شركائهم من السياسيين العرب في بغداد، فاننا ننصح باستذكار التداخل الاقليمي قبل الانغلاق على الاستهداف القومي عبر وادي التيه في صحراء اللا تقدير للموقف العملي، فما يجري في العراق مرتبط بمشروع اقليمي يدفع الضرر باقل التكلفة عن سوريا والكويت و ايران و مصر و الصومال ايضا ، بحيث يبقى النزف العراقي مستمرا بالاستفادة من ظروف اوجدها الاحتلال و يسير عليها اصحابه.
و سيكون من العبث الذهاب الى تحميل المزاج الطائفي او القومي العراقي مسؤولية ما جرى و قد يجري مرة أخرى، فهناك مجاميع تخصصت في ذبح اخوة العراقيين، ما يستدعي عقلانية كردية تترفع عن الاتهام و تقبل اختلاف وجهات النظر الأمنية والسياسية، لأن البعض تسلل بروح الأنتقام الانتخابي على أمل اثارة الخلافات الحزبية و فتح ممرات ملغومة في التسقيط الشعبي كي تقر عيون الشر خارج حدود العراق.
صحيح أن البعض اتهم القيادات الحزبية الكردية بالوقوف على التل و انتظار ما يجري خارج حدود كردستان، وصحيح ايضا أن بعض الاجتهادات الحزبية قد تركت ضررا بالأخوة العربية الكردية، لكن الصحيح ايضا أن استهداف كردستان محاولة لقطع شريان الاستقرار و الحياة الطبيعية داخل جغرافية العراق، بجيث لا يجد المواطن مكانا للاسترخاء من هموم الغربة في وطنه، ولكي تحرق الأوراق الوطنية على بوابة انعدام الثقة بين العراقيين، انها معركة مصير بامكانيات لوجستية غير متكافئة بسبب رغبة الأنتقام التي تكتنزها عقول مجاميع مفلسة انسانيا.
الذي يقتل العراقي ليس مسلما ولا انسانا بل مجموعة من التناقضات و العقد النفسية بكل فواصلها الشخصية المريضة، و الذي يراهن على تمزيق أخوة العراقيين تنقصه مقومات العفة و الكرامة و المعدن الأصيل، لأن شعب العراق لم يتعود الضغينة ولم يتربى على الأحقاد و الدعاوى الكيدية، انه شعب يستحق الحياة عكس سياسيين مراهقين و مزايدين، لا يعتبرون من الفشل و لا يحملون شجاعة الاعتراف بالخطأ ، فكرسي الحكم يحولهم الى غرباء لا يجيدون حتى لغة الحوار، والأمس القريب ليس مختلفا في نوعية الفشل عن اليوم، حيث تم تحويل الدولة المدنية الى مزرعة شخصية و تركة عائلية، يختلف فيها شكل صانع القرارفقط.. و كم نحن بأمس الحاجة الى اعادة الروح الى الدولة العراقية الليبرالية التي تقبل جميع الأراء ، و ترفض الدم بكل اصنافه، وتحفظ علاقات اخوة و حسن جوار عفيفة في مضامينها الانسانية!! اللهم أحفظ العراق و اهله!!
مقالات اخرى للكاتب