تعود فكرة السيارات الكهربائية ، الى نحو قرن من الزمان ، لكنها لم تلقَ رواجا بسبب الصعوبات التقنية ، وتشمل ضخامة البطاريات وعدم تطور المحركات الكهربائية ، كونها ذات عزم ضعيف لا يقارن بالسيارات ذات محرك الأحتراق الداخلي رباعي الأشواط (4 Stroke Engine) ، مما جعلها غير مجدية عمليا .
هكذا تلاشت فكرة السيارات الكهربائية أمام طوفان السيارات ذات محرك الأحتراق الداخلي ، وتعتبر سيارة (كارل بينز) الألماني ، أول سيارة تدب على الأرض بثلاث عجلات تعمل بالبنزين (الكازولين Gasoline) ، وذلك عام 1885 ، وصنع قبل هذا التاريخ سيارة تعمل على الكحول ، ثم سوّقها تجاريا عام 1888 ، على عكس ما هو شائع من أن (هنري فورد) صنع أول سيارة ، فقد كان ذلك عام 1903، وقد انطلت علينا هذه المغالطة في مناهج اللغة الأنكليزية في المرحلة المتوسطة !.
منذ ذلك الحين ، لم يطرأ تغيير جوهري على محرك السيارة ، مجرد مكابس تتحرك بصورة متزامنة مع الصمامات (الولفات) ، ويقوم المحور القلاب بتحويل الحركة الترددية للمكابس الى حركة دائرية بواسطة أذرع التوصيل (Connecting Roads )، تُنقل هذه الحركة الى صندوق التروس (Gear Box) ، ثم للعجلات ، ثم طرأ بعض التغيير ، كتحويل صندوق التروس من اليدوي الى الأوتوماتيكي في ستينيات القرن الماضي ، ومنذ حوالي العقدين من الزمان ، اختفت (الكابريتة Carburetor) ، ليحل محلها نظام حقن الوقود المباشر (النوزلات Fuel Injection) ، ودخلت الألكترونيات بقوة في السيطرة على عمل المحركات ، مما زادت من كفاءة المحرك ، والتي لم تتجاوز لحد الآن 25% ، بسبب ضياع جزء كبير من الطاقة الحرارية في نظام تبريد المحرك والأحتكاك .
كان الوقود رخيصا ومتوفرا ، خصوصا من المستعمرات التي كانت تدور في فلك الدول الكبرى الصناعية ، وبدأ لوبي النفط والطاقة بالنمو حتى شكّل ماردا أقتصاديا بحيث صاغ السياسة التوسعية لتلك البلدان التي تحولت الى مصادر للطاقة ، وبنفس الوقت سوقا واعدة للسيارات ، وصار هذا اللوبي صاحب الحل والعقد في مختلف نواحي البحوث التكنولوجية ، منها التضييق على تمويل البحوث التي تتناول الطاقة البديلة بأعتبارها منافسا ، ومنها السيارات الكهربائية ، مما سبب تأخرها كل هذه المدة .
في تسعينيات القرن الماضي ، قامت (فورد) بصنع نماذج تجريبية لسياراتها الكهربائية ، وقد بيع العديد منها الى المستهلكين ، فنالت الأستحسان ، لكونها متطورة ولا تحمل النمط المتعارف عليه للسيارات الكهربائية وهو البطء ، وضعف التسارع ، لكن المستهلكون فوجئوا بسحب هذه السيارات من قبل الشركة بخطوة مريبة ، ليتم اتلافها ، مما ترك علامات استفهام كبيرة على تلك الخطوة ، أحدى الأجابات من قبل الجرائد الرسمية الغربية ، عزت السبب الى قيام الشركة ببيع منتوجها دون اذن وموافقة لوبي النفط والطاقة ، لأن (توقيت) انتاجها لم يحن بعد !.
وبقي التمويل الخاص بالابحاث يرزح تحت الضغوط ، فكان متواضعا ومتفرقا ، حتى ظهور الضوء الأخضر من هذا اللوبي ، بسبب التلوث البيئي غير المسبوق ، وضغط المنظمات البيئية ، بالأضافة الى سبب سياسي رئيسي ، وهو خفض سعر برميل النفط ، كان هذا الضوء الأخضر ، أيذانا بسباق محموم للبحوث وقد رصد المال الكافي لها ، هكذا جائت هذه الخطوة متأخرة .
ان تطور السيارة الكهربائية ، يعود لثلاثة أختراعات ثورية ، أولهما البطارية ، فقد كان وزن البطارية الحامضية عالٍ جدا بالنسبة لطاقتها ، حتى ظهور بطاريات جديدة وهي على التوالي ، بطاريات الليثيوم – بوليمر ، الليثيوم- آيون ، ثم الليثيوم- هواء ، والتي تتمتع بخفة الوزن نسبة للطاقة ، أي ان بطارية ليثيوم بربع وزن البطارية الحامضية تعطيان نفس القدرة ، لكن يبقى فلز الليثيوم غالي الثمن لندرته ، مع خطورة التعامل معه ، وهو يستخدم في الهواتف الجوالة ، وسمعنا منذ سنين ، عن توفر تقنيات جديدة للبطاريات واعدة ورخيصة الثمن ، لكن يبدو أن وقت (أطلاقها) لم يحن بعد !.الأختراع الثاني ، هو المحركات ، وبالذات اكتشاف نوع من المغانيط الخارقة التي تسمى (نيوديميوم Neodymium) ، والتي تتألف من سبيكة معدنية ، بأمكان 4 انجات مربعة منها أن تتحمل وزن رجل معلّق بها !.
بقيت مشكلة يجب تذليلها ، فنحن نعرف اننا نتعامل مع تيار مستمر (DC) ، ومحركات التيار المستمر تحتاج ال فرش (فحمات Brushes) ، وهي استهلاكية ، كما انها غير ملائمة للحصول على سُرَع متغيرة خصوصا عند العزوم العالية ، لهذا فكُر المهندسون باستخدام محركات التيار المتناوب ثلاثي الأطوار (3 phase AC) ، وفي هذه الحالة يكون الملف هو الجزء الثابت (Stater) ، والجزء المتحرك (Rotor) هو الجزء الخارجي ، وهو عبارة عن اسطوانة ، تثبت فيها المغانيط الخارقة من الداخل ، وخير مثال على ذلك ، مراوح التبريد الخاصة بالحاسوب ، ويسمى هذا المحرك (Brushless Motor) أي المحرك الخالي من الفحمات .
وهنا جاء دور الأختراع الثوري الثالث ، وهو أختراع جيل من الترانزستورات التي تسمى (Insulated Gate Bipolar Transistor ,IGBT) ، والتي تمتاز بالتعامل مع التيارات العالية جدا ، مع دوائرسيطرة ، حيث تقوم بتحويل التيار المستمر للبطاريات الى تيار متناوب ثلاثي الأطوار ، بعملية تشبه أداء (العاكس Invertor ) ، وتكون دواسة السرعة (Accelerator) عبارة عن مقاومة متغيرة تتحكم بعرض النبضة المغذية للمحرك ، وكلما كان عرض النبضة كبير (زمنيا) كلما ازدادت السرعة ، والعكس بالعكس وتكون عزوم هذه المحركات عالية وثابتة تقريبا عند أي سرعة ، لهذا لا تحتاج الى صندوق تروس ، وهذه ميزة مهمة جدا ، لأن هذه المحركات لها القابلية على بذل عزم للحركة من السكون ، وهي شبه مستحيلة في حالة المحرك الميكانيكي ، الذي عليه ربح عزم البدء من السكون بخسارة لسرعة المحرك (نمرة 1) لعصا صندوق التروس ، هكذا اُنتجت محركات ذات كفاءة تزيد عن 80% وبقوة حصانية عالية بالنسبة لوزنها ، فبينما كان المحرك الميكانيكي الذي يعطي 80 حصان ، يزن 200 كغم ، فبأمكان محرك كهربائي أن يعطي نفس القوة الحصانية لكن بوزن 40 كغم ، لكن يبقى وزن البطاريات هو المعضلة الكبرى ، فقد يزيد وزنها عن 200 كغم ، بالأضافة الى حاجة السيارة المستمرة للشحن دوريا ، ولا تستطيع السير لأكثر من 200 كم بعد كل عملية شحن .
من الممكن تزويد السيارة بمحرك كهربائي واحد وناقلات للحركة الى العجلات ، أو بأستخدام محرك كهربائي صغير عند كل عجلة ، وقد انتجت سيارات كهربائية (مثل سيارة تيسلا Tesla) تفوقت على سيارات الأداء العالي التقليدية ، من ناحية معيار التسارع (من صفر الى 100 كم/ساعة) ! ،للسيارة الكهربائية ميزات كثيرة ، منها الكفاءة العالية ، لأن القدرة الضائعة قليلة بسبب قلة الأجزاء المتحركة ، وخلوها من صندوق التروس ، ولا يحتاج المحرك الا الى تبريد بسيط جدا لملفاته ، ولا تطلق قدرة ضائعة على شكل حرارة من (راديتر) السيارة التقليدية ، كما انها لا تحتاج الى زيت المحركات ، أو سوائل التبريد ، وان محركها لا يدور على الدوام كالسيارات التقليدية عند التوقف (Idler speed) في الأختناقات المرورية ، بل يتوقف نهائيا ليوفر الطاقة ، كما أن المكابح (Brake) في السيارات الكهربائية لا تبدد الطاقة على شكل حرارة في (الفلنجات) كالسيارات التقليدية ، لكن حاسوب السيارة الكهربائية يحول المحرك الى كابح ثقيل عند ضغطك على دواسة التوقف ، ويعمل كمولدة شحن لأعادة التيار الناتج عن الكبح الى البطاريات ، كذلك خلوها تماما من الضجيج ومن العوادم الملوّثة .
للأسف الشديد ، يخضع سوق السيارات لدينا الى رغبات التجار الذين لا هم لديهم سوى الربح ، لهذا نرى الكثير من السيارات المرموقة صناعيا كسيارات (ميتسوبيشي) و(مازدا) ، قليلة التداول في شوارعنا حتى أن (اهل المعارض) يسمونها (سرطان) ! ، والسبب عدم استخدام المعايير العلمية للتصليح لدينا ، وينتج عنه الجهل ، واناس أعداء ما جهلوا ، وكأنهم أكثر نباهة من اليابانيين ! ، لذا لا يتم توفير المواد الأحتياطية ، ولا أدري كيف سيكون موقفهم من السيارات الكهربائية ، وانا أراها مثالية للتعامل مع الزحامات المرورية ، وأداء كل الجولات الضرورية ، وأنت ترى سيارات صامتة تتجول ، لكن المصيبة ، حاجتها للتيار الكهربائي (حوالي 10-12 أمبير لمدة 12 ساعة) عند كل 200 كم ، لكن من أين نأتي بها ؟! ، لكن يمكن شحنها كهربائيا عند توفر الطاقة ، أو استخدام الخلايا الشمسية الثابتة ، او المتحركة بأستغلال سقفها (القمارة) .
مقالات اخرى للكاتب