تفاءل البعض من العراقيين في الفترة الاخيرة بعودة الامريكان العسكرية , وبهذا الثقل السياسي في صراع المنطقة , وبالذات الى العراق , سواء عن طريق القصف الجوي او ايجاد قواعد عسكرية يمكن ان يكون وجودها طويل الامد تحت لافتة اعادة تأهيل وتدريب الجيش العراقي , او زيادة عدد الخبراء والدبلوماسيين في سفارتها . وقد سبقها مؤتمر عمان للمجموعات والعشائر السنية المعارضة لنهج رئيس الوزراء السابق نوري المالكي والتي عانت من التهميش والغبن برعاية امريكية ايضا , ودون علم او مشاركة حكومة المالكي . وان هذه العودة كما يقول هذا البعض بهذا الثقل سيكون في صالح العراق , ويمكن القول ان ترجيح كفة حيدر العبادي وإزاحة المالكي وإجراء بعض الخطوات الاصلاحية كانت اهم الدلائل للخروج بالعراق من المأزق الذي وضعه فيه نهج وإدارة المالكي .
مما لاشك فيه ان عودة الامريكان اوقفت التدهور , او ساعدت في وقف ( سرعة ) الانهيار . وهذا التدخل كان بدون علم الحكومة , او اخذ الاذن من ( سيادتها ) على الاراضي العراقية , ولكنه من صلب مقومات الاحتلال الذي ازاح صدام ونظامه , رغم كل تبجحات المالكي وادعائه بأنه ( اخرج ) الامريكان او بهرجة الاعلانات التي رافقت خروج الجيش الامريكي نهاية 2011 . ولعل من ابرز وسائل استمرار التحكم الامريكي بالوضعية العراقية هو ايجاد نظام المحاصصة الطائفية والاثنية كركيزة اساسية تدور حولها الانتخابات وباقي المقومات ( الديمقراطية ) الاخرى , من فصل بين السلطات وهيئات مراقبة مستقلة , مما جعل كل هذه المؤسسات ان تكون مطية لفرسان المحاصصة او ( التوازن ) كما يحلو تسميتها لأحزاب السلطة المتنفذة , والتي اوصلتنا الى هذا المنحدر الخطير . وهو نظام بعكس اغلب نظم العالم السياسية التي تعتمد على مقومات القوى الطبقية والوطنية الحية في المجتمع والتي تبغي مسابقة الزمن للنهوض بمجتمعاتها على مسار التطور العلمي والإنساني .
ومما لا شك فيه ايضا الرغبة الصادقة لرئيس الوزراء حيدر العبادي ومعه كل الشرفاء والطيبين في العملية السياسية للنهوض بالعراق من الوضع المأساوي الذي يمر به , والخطوات الجادة التي اتخذها لتعديل المسار رغم محدوديتها توضح صدق هذا التوجه , رغم التركة الثقيلة التي يئن تحت وطئتها العراق , والإعاقة الجادة لرجالات الفترة التي سبقته , والمواقف المضادة لجيوش الفساد ولصوص المال العام الذين عشعشوا في كل مرافق الدولة والحياة .
ان خطوات الاصلاح التي اتخذها حيدر العبادي في طريق ترميم وحدة العراق والعراقيين تتماشى – على الاقل في الوقت الحالي – مع الرغبة الامريكية , وإعلانها السابق بالمحافظة على وحدة العراق عند اجتياحها له عام 2003 . اما ما تخطط له مستقبلا للعراق والمنطقة يبقى عرضة لكل التوقعات , ومن بين اختياراتها التي بكرت بالكشف عنها مشروع بايدن لجعل العراق ثلاثة دول او ادارات .
والسؤال هو : الى اي مدى يستطيع رئيس الوزراء حيدر العبادي ومن معه السير باتجاه الاصلاح ؟ وهل سيسمح له الامريكان بعد تحجيم داعش التي تمددت بجنون , ان يستمر في عملية الاصلاح وإعادة وحدة المصلحة الوطنية المشتركة لكل العراقيين ؟ ام ان مصلحة الامريكان تقتضي ان يكون العراق ضعيفا وتابعا لهم , وسوق لتصريف بضاعتهم وبضاعة غيرهم من دول الجوار الذين يتفقون فقط مع الامريكان على ضرورة استمرار العراق بضعفه الحالي رغم الروابط الدينية والمذهبية والقومية التي تدعيها دول الجوار هذه . فهل يستطيع السيد العبادي وباقي القوى الوطنية الحية من النهوض وتغيير اسس العملية السياسية ؟ ولا حاجة لتكرار بان المحاصصة الطائفية والقومية اساس البلاء , وبدون تغيير الدستور وإلغائها فلن ينهض العراق , ولن نخرج من سطوة الامريكان , ومن اطماع محيطنا العربي والإسلامي , ولن يكتب النجاح لكل الجهود الخيرة التي تبذل الآن وفي قادم الايام .
مقالات اخرى للكاتب