تدورُ بنا ليالينا وتَجري
على سُبلٍ وما نَدري وتَدري
وتأخُذنا كما شاءتْ خُطاها
وتُذهِبُنا وتَطبُخنا بقِدْرِ
وتَرْمينا لأفْواهٍ تواصَتْ
بأطْعِمَةٍ أعَدّتها لسِفْرِ
وقدْ كُنّا كما رَغِبَتْ وتاقتْ
لأنّ الحيَّ مأسورٌ بعُمْرِ
ومَرْهونٌ بدائرةٍ ومَوْجٍ
وإقبالٍ وإدْبارٍ بعَصْرِ
تُخاطِبُنا المَنايا ذات بُغْتٍ
وتَنهَرُنا وتُدْمِينا وتَفْري
أخا الْدُنيا بنا تلهو الْخَطايا
وتُلْقِينا على لَهَبٍ وجَمْرِ
وما انْطفأتْ وأجّتْ ثمّ أجّتْ
وقادَتْنا كأحْطابٍ لسَجْرِ
يسوّغُها الوثوبَ إلى جَحيْمٍ
ويَخْدَعُنا بفاتنةٍ وسِحْرِ
فنمْضي نحوَ قاضيةِ انْتهاءٍ
نحبِّبُها بما نَهوى ويُغْري
كأنّ النفسَ آمرةٌ لعَقلٍ
وداعيةٌ لمَفْعولٍ بشَرِّ
كساجِعَةٍ على الأفْنانِ غَنّتْ
بأنْغامٍ مُلحَّنَةٍ بسُعْرِ
يَطوفُ سَحابُها بينَ البَرايا
ويُغْدِقُها ويَجْفوها ويَسْري
كما دارتْ فحينا إسْتدارتْ
بما أقضَتْ ستُغْدِقها لغَيْرِ
تباينَ خَلْقُها والخُلْقُ يَبْقى
يبادِلُها بإثراءٍ وفُقْرِ
مَوازينٌ مُقدّرةٌ عَليْنا
وإنْ فَعَلتْ فقد صُدِعَتْ بأمْرِ
رأيتُ شعوبها تحيا عَلاءً
وأخرى في مُقاساةٍ وقَهْرِ
وأفرادا من النَعْماءِ طاشتْ
وأقواما لمُفْرَدها كنُذرِ
سألتُ غصونَها حينَ اخْتلاجٍ
عنِ الأوْراقِ تَنْفِضُها بنُكْر
لأنَّ وجودَها عنوانُ مَوْتٍ
إذا هَبَّتْ رياحٌ ذاتُ كَرِّ
وإنّ خَليقَها توّاقُ أبْقى
يؤكّدُها بإصْرارٍ وصَبْرِ
فكلّ وليدةٍ بُرهانُ أحْيا
سيأخُذُها إلى سُفُحٍ وحِجْرِ
ومِنْ أمَلٍ إلى أمَلٍ توالتْ
تطاردُها سَراباتٌ كطيْرِ
وعنْ زَمنٍ بأزمانٍ تلاشى
يُرغّبها بأحلامٍ ووَطْرِ
كذا الأجيالُ قد نطقتْ بصَمْتٍ
وقالتْ قولةً مِنْ غير فِكرِ
فناعورُ الزمانِ بها تساقى
ويَسْكبها ويُطعِمُها لبَذر!!