رفضَ بوتين رفضاً قاطعاً التخلي عن الأسد، وكذلك إيران التي تعتبر سقوط طهران أهون من سقوط الأسد. اتَّجهت أنظار سيدة الحروب إلى العراق: أمريكا التي راقبت النزف الإيراني في سوريا مبتسمة بدأ صبرها ينفد، نفخة صغيرة في الرماد تشعل جبهةً ثانية للاستنزاف الإيراني.
لكنها لن تكتفي بموقف المتفرج كما فعلت في سوريا، بسبب النفط وأسباب أخرى، منها أنَّ عدم حسم الملف السوري هو الذي نقلَ الحرب الطائفية إلى العراق، وفي عدم حسم الملف العراقي مخاطر أكثر على مصالحها ونفوذها في الشرق الأوسط. حركة حماس أعادت اصطفافها مع السنة متخلية عن الدعم السوري والإيراني، كذلك فعلت تركيا مع دول الخليج. إنَّ الحساسية المتزايدة والشعور بالظلم المرتبط بمصل التاريخ والثارات القديمة تمنع الاحترام المتبادل بين الاثنيات المختلفة، والتي تعتبر كلّ اثنيَّة حقوق الاثنيَّة الأخرى المشروعة تجاوزاً على حقوقها، كحرب الثلاثين والثمانين عاماً في أوربا المنقسمة طائفيَّاً بين الكاثوليك والبروتستانت قبل معاهدة وستفاليا.
هناك رأيُ يقول (من الصعب إنهاء الحروب الأهلية، وهي عندما تنتهي بالفعل سرعان ما تبدأ ثانيةً بعد سنوات قليلة..وتعتمد الحجج التي تساند التقسيم على مَزاعم: أنَّ الهويات الإثنيَّة تُعزَّز بالحرب، وهذا يجعل التعاون بين الهويات الإثنية المختلفة أمراً صعباً جداً، وتزداد المخاطر باستهداف المدنيين بالعنف ببساطة بسبب انتمائهم إلى هوية إثنية معينة) ، ثمَّ بعد ذلك يجري تفنيد هذا الرأي بطريقة غير مقنعة (ونحن نسوق حجة بأنَّ المقدمات المنطقية التي تشكل أساس هذا الحدس البسيط مخادعة.. وتجد إحدى الدراسات التي تحلل كل الحروب الأهلية خلال المدة 1945- 1999 القليل من الدَّعم للزعم القائل: إنَّ التقسيم يُقلِّل خطر تجدد الحرب الأهلية) . غالباً ما تكون الحرب الأهلية بدافع التقسيم: انفصلت بنغلاديش عن باكستان بعد خسارتها الحرب مع الهند، وانفصلت جمهوريات الاتحاد السوفيتي بعد استنزافهِ لعشر سنوات في أفغانستان 1979- 1989. انفصلت الجمهوريات اليوغسلافية بعد الحرب الأهلية الدموية، وانفصل جنوب السودان وانفصلت كوسوفو عن صربيا 1999 كحلٍّ دولي للحرب الدائرة أعقبه اعتراف دولي بكوسوفو عام 2008. جمهورية جورجيا تغزو أوسيتيا الجنوبية الانفصالية في آب 2008 فتشنُّ روسيا الحرب على جورجيا واستقلال أرتيريا عن أثيوبيا في نيسان 1993 بعد حرب طويلة. واستقلال كرواتيا. بدأت الانقلابات العسكرية عام 1989 في فويفودينا وكوسوفو والجبل الأسود، انقسمَ الحزب الشيوعي بانقسام يوغسلافيا في كانون الثاني 1990، طالبت كرواتيا باتحاد كونفدرالي، أجريت انتخابات متعددة الأحزاب في كرواتيا لأول مرة، ترك الصرب البرلمان الكرواتي وأعلنوا الحكم الذاتي في المناطق التي أعلنوها لاحقاً جمهورية كرايينا الصربية، أعلنت كرواتيا استقلالها في حزيران 1991، وشنت هجمات مختلفة على مليشيات صربية، نهاية عام 1991 فرضت سيطرتها على ثلثي الإقليم تقريبا، في 15/1/1992 اكتسبت كرواتيا الاعتراف الدبلوماسي من قبل أعضاء السوق الأوروبية المشتركة ثم الأمم المتحدة، انتهت الحرب الأهلية في آب 1995 بنصر حاسم لكرواتيا، وقد منعَ التدخل الأمريكي الحاسم توسع أو استمرار الحرب الأهلية.
العراق مأكولٌ مذموم من أهله وجيرانهِ. إيران تريده عِرَاقَها وتتنافس مع أمريكا عليه. تركيا كذلك. العرب يتباكون على سذاجة حرُّاس البوابة الشرقية، أليس التقسيم سَيُخَفِّض العنف ويقلِّلُ الدماء المسفوكة؟ أليس التقسيم سيوقف تدفق آلاف المتطوعين من الدول المجاورة؟ لكنَّ أحداً لا يريده مُنْقَسِماً خوفاً على جغرافية المنطقة السياسية، وعلى مصالحهم، قال الإمام عليُّ بن أبي طالب(يفعلُ العاقلُ في المصيبة ما يفعلهُ الجاهل بعد أيام) أو بعد سنوات. عام 1964 هددت تركيا بغزو اليونان إذا تعرَّض الترك في قبرص للهجوم، واستمرَّ التوتر لغاية 1974 حيث جاء التقسيم التام كحل إجباري.
مقالات اخرى للكاتب