الحياة فرقتنا والفيس بوك جمعنا أليس كذلك ياعشاق مواقع التواصل الإجتماعي ، كثيرا منكم التقى بصديق فارقه منذ سنوات طويلة عن طريق هذا العالم الأزرق الذي يزداد المشتركين بصفحاته يوما إثر يوم ، وكما حصل لكم حدث ان إلتقيت من خلاله بأصدقاء فارقتهم مذ إرتديت بدلة الكاكي مرغما ودخلت بأتون حروب شرسة ، خرجت منها بضربة حظ ودعاء أمي ، قبل يومين وصلت الى بريدي في صفحتي على الفيس بوك رسالة من صديق كان معي بقاعات الدراسة الجامعية ندرس علوم الزراعة في قسم البستنة ، وحتى أتذكره كأنه إرتاب من ذاكرتي قد شاخت ، سرد لي واقعة كنت محورها بذلك الوقت ، اي قبل اكثر من ثلاثين سنة ، كتب في رسالته صديقي أنيس مجيد : هل تذكر ياحسن مرة كنا في درس عملي « الخضراوات « ، كان يومها مدرس المادة من الموصل وطلب منّا زراعة حبات الفاصولياء في مروز طويلة بين حبة وأخرى مسافة 25 سنتمتراً ، كنت انت ياحسن بالمرز المجاور لي ، بدأنا العمل بنشاط لعدة مترات ثم شعرنا بالتعب بعد ربع ساعة وقد كسرت ظهورنا جميعا نحن طلبة القسم من الإنحناء لدفن تلك الحبوب البيضاء بجورٍ « حفرة صغيرة « وان مدرس المادة قد وعد الذي ينجز العمل سيذهب مبكرا للقسم الداخلي ، بعد فترة اعتدلت ياحسن من انحناءتك ونظرت يميناً وشمالاً وعملت حفرة كبيرة دلقت فيها حبات الفاصولياء وردمتها بالتراب وسط دهشتي ، عندها سألتك بهلع حسن ماذا فعلت هذا المدرس « نقناقي» ؟ فكان ردك صاعقا لي وأذهلني حين قلت : « اذا اظل ازرع حبة حبة للمغرب ما تخلص الحبات « وفعلا رفعت يدك للمدرس وقلت له استاذ إنتهيت من زرع مابحوزتي ، رد عليك عفرماً وبارك الله فيك ، بوسعك مغادرة الحقل والذهاب الى القسم الداخلي ، بينما بقينا نحن الطلبة والطالبات الى المغرب حتى انتهينا من زرع الفاصولياء وعدنا للقسم الداخلي وقد حشرنا انفسنا بعربة التراكتور وطسات الطريق فاقمت من ارهاقنا ، كنت افكر بالفضيحة التي قد تنكشف اذا ما نبتت حبات الفصوليا متجمعة وقد تقع «الطركاعة» المصيبة برأسي حين يخلط الأستاذ بين مرزي ومرزك ويظن اني من قمت بهذا العمل الشيطاني ، ولكن الحمد لله بعد مرور شهر ، لم ينبت من حبات الفاصولياء الا قليلا منها لأن الارض كانت فقيرة وسبخاء ، هذة القصة لا احد يعلم بها من الزملاء والزميلات غيري انا وكلما اتذكرها ادخل في نوبة من الضحك مع نفسي يعقبها نوع من الكآبة لما آلت اليه أحوالنا من تشرد وحرمان ،كل واحد أصبح تحت نجمة ، هل اعجبتك هذة القصة ؟ انتم آل النواب اصحاب نكتة ومرح يزيل الهموم رغم صعوبات الحياة تحياتي لك وصباحك يرفل ورداً وجمالاً . إسترجعت الحادثة بذهني كأنها جرت يوم أمس ولاح وجه صديقي أنيس ونظارته وآلة الكمان التي كان يعزف على أوتارها بمهارة ورشاقة ، لكني وجدت مشقة بتذكر إسم ذلك الأستاذ ، كتبت لصديقي أنيس عسى يسعفني بعد ان وصفت برسالتي اليه شكل الأستاذ المصلاوي بدقة كان أبيض البشرة وبدينا ويشبه الى حد بعيد الممثل السوري الساخر حسني البرزان ، لكنه لم يتمكن من معرفة إسمه ، بعد يوم وفي لحظة غفوة هبطت الواقعة مرة أخرى برؤيا أمامي ، حينها تذكرت إسمه انه الأستاذ ثامر ، لكن الذي لايعرفه صديقي أنيس عن تلك الواقعة ما سأذيع سرّه الآن ، صحيح اني تخلّصت من عمل شاق في ذلك اليوم بشيطنة وعدت مبكرا الى القسم الداخلي ، لكني طوال طريق عودتي مشيا على الأقدام ندمت على فعلتي ، ليس لأني دفنت حفنة حبات الفصولياء بحفرة واحدة ، لا لم أشعر بذنب من ذلك ، إنما لسبب آخر هو أني حرمت نفسي من التطلع الى طالبة كنت أعشقها حد الجنون بالكتمان وكانت معنا ، وكنت أتمنى ان ارجع مرة أخرى للحقل حتى أشبع من رؤيتها ، كثير من قصص العشق ذبلت لأن العشاق لم يتحملوا مشقّة عذاباتهم ، ان شيطنتي أنقذتني من عمل مزعج ومرهق لكنها أوقعتني بندم مرير لأني حرمت نفسي من ساعات ثمينة كان يمكن ان استلذ وأستمتع بها وعيناي تراقبان بشغف تلك الطالبة النورانية التي مازلت أعشقها بضراوة وصورتها لم تبرح خاطري حتى الآن .
مقالات اخرى للكاتب