نحن مجتمعات مشخصنة , بمعنى لا تعرف الإنتماء إلا للأشخاص , والتفاعل مع الصورة , والقوة المفروضة والمتحكمة بمصير البلاد والعباد.
وآليات تفكيرنا وديناميكيات نفوسنا , وكيفيات إدراكنا محكومة بهذه الثوابت , ومن الصعب تحويل إتجاهها إلى الراية والوطن.
والأمثلة كثيرة , والتداعيات خطيرة.
فعلى سبيل المثال , ما جرى في مصر من أحداث وتطورات , إرتبط بالشخص , وحوله إلى رمز لحالات لا تمت بصلة إليه , فأصبحت المطالبة بعودته لأنه يمثل كذا وكذا , وتنامت التفاعلات وتأججت , حتى حولته إلى حالة تستحق المواجهة وسفك الدماء , وتخريب البلاد.
ولو أن الآلية الفاعلة في السلوك غير شخصانية , لكان التصرف أكثر نضجا ومعاصرة ووعيا , ولقبل الناس بعزله , وقرروا الدخول في جولة جديدة من الإنتخابات , ليثبتوا مرة أخرى بأنهم الأحق بالفوز في الحكم , وتقرير التفاعلات القائمة.
لكن تأثير الشخصنة أدى إلى نتائج مأساوية وإضطرابات لا موجب لها ولا داعي.
إن الوعي الديمقراطي لا يمكنه أن يكون ناضجا وصحيحا إذا إرتبط بالشخص أو الحزب , وتناسى الوطن والراية.
فالديمقراطية لا يعنيها الفرد والحزب , بقدر ما يتحقق في محتواها من إنجازات ذات قيمة وطنية وإنسانية وحضارية.
وما جرى في مجتمعاتنا يشير بوضوح إلى تأخر كبير في الثقافة الديمقراطية , والفهم السياسي المعقول لآلياتها.
فيتم إختصارها بشخص , أو حزب , أو فئة , وهذه إنحرافات وليست تجسيدات لأي سلوك ديمقراطي.
ووفقا لآليات الشخصنة , فنحن نتخندق في الشخص وصورته , ونمنحه المواصفات الخيالية , التي لا يعرفها ولا تعرفه , لكن قوة الفنتازيا المتأججة فينا , تجعلنا نراه على غير ما هو عليه , بل كما نريد أن نراه ونتصوره وندعيه.
لقد لعبت الشخصنة دورها السلبي في أنظمتنا الحزبية والسياسية , وجعلتنا نتبع ولا نفكر , ونخضع ولا نناقش أو نقاوم ونتحدى , لأننا قد أذعنّا للشخص , وما تحقق من مؤثرات سلطوية حوله.
فتراثنا ومسيرتنا الطويلة عبر القرون , تشير إلى تأكيد سلطة الشخص فينا , وإنتمائنا إليه , وعدم قدرتنا للإنتماء إلى حالة أخرى.
كما يتحقق في الدول المتقدمة , التي يكون فيها الرئيس , مسؤولا تنفيذيا ولديه واجبات أن يؤديها بإتقان وإنضباط أخلاقي ومهني واضح , وإلا يتم محاسبته ومساءلته , وربما تغييره , فلا يمكن لرئيس أن يكون غير ذلك , ولا يمكن أن يُشخصَن , وترفع صورته في كل مكان , لأن ذلك يتعارض والأصول الديمقراطية.
وما دام الفرد يتحكم في أعماقنا , والصورة تتملكنا , فأن المسافة بيننا والديمقراطية شاسعة جدا!
فاستحضروا الوطن , ولا ترفعوا رايات الفتن , ولا تجعلوا الشخص وطن!!
مقالات اخرى للكاتب