احاول في هذا الجهد المتواضع ان اسلط الضوء على مرحلة صعبة من تاريخ العراق مستعيناً بأشخاص لديهم معلومات موثقة احاول ان أقاطعها مع بعض، خدمة للحقيقة وأهمل منها غير المقنع والمتجني والشامت، فنوري المالكي وبجردة حساب منصفة له لابد ان تتم مراجعة فترة حكمه الثمان سنوات التي حكمها بموضوعية ليس للنيل منه وإنما من أجل العراق ومستقبله وتاريخه ولكي لا نتحدث تحت ضغط وتأثير العواطف الطائفية او الشخصية وإنما بتجرد منصف للرجل وللتجربة ولنوثق للتأريخ هذه الحقبة التي تمتد من ٢٠٠٦-٢٠١٤ من تأريخ العراق وأدعو هنا من يقومني او يصحح من خطأ يراه للتوثيق وليس للرأي، فالآراء حول الرجل متضاربة ويصدم بعضها بعضاً فمنهم من يحبه ويعشقه ولا يرى فيه من خطأ وان كان فيه بعض منه فإنه يلتمس له العذر، وآخرون يرون فيه أخطاء متراكمة وأزمات مفتعلة لم يكن مضطراً لها بل هي جزء من عقليته وفكره، وهذا أيضاً يدخل في باب الرأي وهو ليس موضوعنا هنا.
الملف الأمني وسقوط الموصل: كان المالكي مهووساً بالوضع الأمني حيث كان يشغل رئيسيا للجنة الأمن والدفاع في اول برلمان عراقي منتخب، وبعد إختياره لرئاسة الوزراء حاول الرجل جاهدا بمتابعات متواصلة وشخصية ان يبني قوات أمنية قوية، لكنه كان دائم الشكوك في الكثيرين منهم، وحاول ان يُبعد ما يستطيع منهم ويُقرّب من هم مُلك يمينه إعتقادا منه بان هذا هو الوضع الصحيح لبناء القوات الأمنية، دون أدنى خبرة في العلوم العسكرية والقدرة على بناء جيش محترف في بلد تحيط به التهديدات الأمنية من كل اتجاه، فقرب ضباط الدمج وأعطاهم مواقع خطيرة في الجيش والشرطة وقرب أيضاً عناصر بعثية هزيلة ولديها ماض غير جيد لضمان ولائهم الشخصي له، وبالتالي وحسب هذه النظرية القاصرة أعتقد المالكي انه يستطيع ان يحمي الشيعة من أي انقلاب عسكري قد يفكر به البعض، ومنح رتباً مضاعفة للعديد منهم حتى اصبح في الجيش أكثر من ١٥٠ فريق ركن يتقدمهم مدير مكتبه فاروق الاعرجي الذي لا علاقة له بالعلوم العسكرية وبناء الجيش، بل والأغرب من ذلك فان شخصاً بسيطا يعمل موظف استعلامات في مكتبه اسمه محمد الناصري ظهر مع المالكي عند زيارته لقاعدة سبايكر يحمل رتبة فريق مما أثار إستغراب العسكريين من ذلك، وبذلك فان الرتب العسكرية فقدت اي قيمة عسكرية. اما قضية سقوط الموصل فهي نتيجة حتمية لحالة التسيب الهائل في الجيش والشرطة والذي لم تتم محاسبة أي من ضباطه ومراتبه على دفعهم الرشاوى لترقيتهم و قبضهم الرشاوى بتعيين ممن دونهم وفي قصة طريقة تعكس هرم الفساد الذي يبدأ من مكتب القائد العام لينتهي الى أدنى قاعدة الهرم ينقلها لي أحد الضباط ممن كنت أوثق الوضع عندهم حيث يقول ان الجنود الجدد في إختبار الرماية لهم يُعطى لكل منهم ٣٠ طلقة لرميها في ميدان الرماية حسب النظام المتبع، لكن الذي يحصل هو انهم يستلموا ١٠ إطلاقات فقط بينما تؤخذ العشرين الباقية من المجموعة التي تشرف على إختبارهم لتبيعها في السوق السوداء وتوزع فيما بينهم، هذه القصة تعكس عمق الفساد في المؤسسة العسكرية هذا غير خطر تجهيز السوق السوداء بذخيرة خطرة على الأمن. قصة أخرى يرويها ضابط شريف يقول ان لكل ضابط من رتبة عقيد فما فوق ما لا يقل عن ١٠٠ جندي او شرطي لا ينتظموا في الواجب (فضائي) يتقاسم معهم نصف الراتب رأس كل شهر وبذلك فانه يجني ما لايقل عن ٥٠ مليون دينار شهريا غير الامتيازات والاتاوات الاخرى، يقول هذا الضابط كيف يمكن لهذا الهيكل من الجيش والشرطة ان يدافع ويقاتل دفاعاً عن وطن يرى فيه قائده العام للقوات المسلحة يتستر على صفقة مدرعات أوكرانية فاسدة لذلك كان الهروب المذل لقيادات الجيش الذي لم يجري المالكي فيه أي تحقيق او مراجعة او محاسبة لأن الفساد وصل للعظم فيه، وحتى رئيس الأركان عبود گنبر الذي فر دون ان يثبت ويلملم شتات الجيش ويقاتل بمن معه ليصد ٢٥٠٠ مقاتل من داعش بينما كان تعداد الجيش والشرطة في الموصل يتجاوز ٧٠،٠٠٠ عنصر، ويسأل هذا الضابط ويقول ان المسافة بين دخولهم من سوريا لغاية وصولهم للموصل تحتاج لساعتين في موكب صغير فأين الاستخبارات والفريق الركن فلان وفلان وفلان؟؟؟ ثم ان الموصل سقطت فكيف تسقط صلاح الدين وكيف تسقط ديالى؟؟ ولماذا يتم التكتم على أكثر من ثلاثة آلاف مغدور من الشيعة المخطوفين في سبايكر بينما الحكومة الهندية استنقذت خمسين ممرضة من تكريت ولم يستطع المالكي ان يتحدث بحرف واحد حرفا ليبرد قلوب الأمهات والآباء الملكومين بفقد شباب في مقتبل أعمارهم ؟؟ من يتحمل هذه المسؤولية؟؟ أليست من مسؤوليات الرجل ان يحقق ويكشف عن الخلل الذي أحدثه في هيكل المؤسسة العسكرية التي لم يعد يصلح منها أي شئ، هذا جزء من ملف شائك ومعقد تحولت معه المؤسسة الأمنية من جيش وشرطة الى مرتع هائل في الفساد والتسيب وأكتشف العراقيون انها فقاعة ولولا وجود الميليشيات والحشد الشعبي لاجتاحت داعش بغداد وكل محافظات الوسط والآن فان الوضع الأمني سيبقى رهينة بيد ميليشيات ستختلف وتتنازع النفوذ على المدن والحواضر العراقية.
مقالات اخرى للكاتب