احاول في هذا الجهد المتواضع ان اسلط الضوء على مرحلة صعبة من تاريخ العراق مستعيناً بأشخاص لديهم معلومات موثقة احاول ان أقاطعها مع بعض خدمة للحقيقة وأهمل منها غير المقنع والمتجني والشامت، فنوري المالكي وبجردة حساب منصفة له لابد ان تتم مراجعة فترة حكمه الثمان سنوات التي حكمها بموضوعية ليس للنيل منه وإنما من أجل العراق ومستقبله وتاريخه ولكي لا نتحدث تحت ضغط وتأثير العواطف الطائفية او الشخصية وإنما بتجرد منصف للرجل وللتجربة ولنوثق للتأريخ هذه الحقبة التي تمتد من ٢٠٠٦-٢٠١٤ من تأريخ العراق وأدعو هنا من يقومني او يصحح من خطأ يراه للتوثيق وليس للرأي، فالآراء حول الرجل متضاربة ويصدم بعضها بعضاً فمنهم من يحبه ويعشقه ولا يرى فيه من خطأ وان كان فيه بعض منه فإنه يلتمس له العذر، وآخرون يرون فيه أخطاء متراكمة وأزمات مفتعلة لم يكن مضطراً لها بل هي جزء من عقليته وفكره، وهذا أيضاً يدخل في باب الرأي وهو ليس موضوعنا هنا.
المالكي وإيران : عاش المالكي في ايران من عام ١٩٨٠ ولغاية ١٩٨٩ حيث خرج منها بعد ان وضعت الحرب العراقية الإيرانية أوزارها، وأقام في سوريا، وعند توليه الحكم كرئيس للوزراء بدأ يرتاب من علاقة ايران مع المجلس الأعلى وفيلق بدر والتيار الصدري وكان دائم الشكوى لإيران من هذه العناصر التي تحاول إحراجه ومواجهته، الى ان واجه جيش المهدي والعناصر المرتبطة بإيران في صولة الفرسان في البصرة حيث بدأ فصلا مهما في علاقته الودية بإيران بأن قدم نفسه بأنه حليف أفضل وأقوى من كل تلك الفصائل وانه لوحده وبدون حزبه يمكن ان يكون موضع اعتماد الجمهورية الاسلامية في تبادل منافع ونفوذ، حيث خطا خطوة ودية تجاه ايران بالإفراج عن قيس الخزعلي وكوادر عصائب الحق(التي كانت تُمطر المنطقة الخضراء بزخات متتالية من صواريخ الهاون)، وفتح لهم الأبواب في حركة بهلوانية غريبة لإضعاف مقتدى وجيش المهدي. ولتقوية نفوذه في ايران فقد اعتمد على عدد من رجال الدين المتنفذين في طهران مثل محمود الهاشمي الشاهرودي والشيخ محمد مهدي الاصفي الذين ينتمون للدعوة وكانوا يروجون للمالكي في أعلى مراكز القرار الإيراني وأستطاع المالكي ان يُقرّب جمال ابو مهدي المهندس لصفه والذي يمثل الجنرال قاسم سليماني في العراق وكذلك عناصر مهمة من حزب الله اللبناني التي أغدق عليهما المالكي عقودا تجارية مغرية جعلهم لوبي له في ايران، ويروي مصدرنا تفاصيل عن الكثير من العقود التجارية التي كسب منها جمال وحزب الله ملايين لم نذكرها لضعف توثيقها، وقد كافئته ايران بقوة في موضوع سحب الثقة في حزيران ٢٠١١ بأن سلطت أقوى الضغوط على المجلس الأعلى لكي لا ينضم لمجموعة المطالبين بسحب الثقة عنه وكذلك على الرئيس جلال طالباني الذي خالف مسعود بارزاني في إضعاف الصف المناوئ للمالكي، وقد دافع قاسم سليماني وأبو مهدي المهندس دفاعاً مستميتا لان ينال المالكي الولاية الثالثة بذرائع شتى، أمنية وسياسية ومذهبية، وانضم اليهم مع الأسف رجل دين لبناني مرموق ومحترم وهو الشيخ علي الكوراني حيث حٓنّ الى جذوره في حزب الدعوة التي كان ينتمي اليها وكما يقال فالعرق دساس، لكن ايران ومرشدها الأعلى بالنهاية رضخت لموقف مرجعية النجف واُسقط ما في يدها واستسلمت للتيار القوي المطالب برحيل المالكي، هذا التحول في مركز صنع القرار الى النجف أحدث هزة عنيفة في طهران وفي دور سليماني الذي كان رهانه خاسراً وسبب تراجعاً في قوة التأثير الإيراني الذي بدا واهيا تجاه قرار المرجع السيستاني والذي رضخ له ويقال انه رضوخا مكرها.
ايران وبالتنسيق مع نوري المالكي ولتطابق المصالح بينهما اتفقوا على الترويج لمرجعية محمود الهاشمي الشاهرودي في النجف بان تم افتتاح مكتب للشاهرودي في النجف وبدأ يوزع رواتب على طلبة العلوم الدينية حيث جوبه برفض شديد، لكن المالكي أنشأ له شبكة من المعممين الذين يروجون لمرجعية الشاهرودي والمالكي شخصيا وربطهم بمجالس الاسناد العشائرية حيث منحهم رواتب وبدأ حتى يُغري وكلاء المراجع الأربعة بعطيات وهبات مالية، هذه الخطوة في الترويج للشاهرودي أحدثت غضباً غير معلناً على خطوة ايران والمالكي والتي يحاول الطرفان تصنيع مرجع شيعي بمقاسات سياسية وهو أمر في غاية الحساسية عند مدرسة عمرها الف سنة كانت منيعة وعصية على كل التأثيرات والأعاصير السياسية التي مر بها العراق، ولا تزال هذه القضية تتفاعل لكنها مُنيت بضربة عنيفة نتيجة خيبة أمل الشاهرودي وممثل خامنئي في العراق محمد مهدي الآصفي ويعتقد الكثير من الفضلاء في النجف بأن الشاهرودي لن يكون له قيمة او وزنا دينيا بعد النكسة التي حصلت له فقد تقمص دوراً لا يتناسب مع ما يرتديه من زي ديني.
يحدثنا مصدر موثوق بان أركان النظام في ايران مثل لاريجاني وسردار جعفري وروحاني وعموم حوزة قم كانت ترى ان بقاء المالكي لولاية ثالثة سيتسبب في انهيار العراق بالكامل وتقسيمه وكانت لهم آراء معلنة بذلك لزائريهم، وبذلك فان المالكي وبكل ما استثمره من لوبي وعلاقات وأموال ونفوذ ووعود وتمكين لفيلق القدس في العراق وفي سفارتهم وقنصلياتهم في العراق قد ذهب مع الريح وبدا المالكي في أيامه الاخيرة يصل جام غضبه على ايران ومسؤوليها المعارضين لولايته الثالثة حتى انه قد قال للأميرال على شمخاني عند زيارته لبغداد بان ايران وقفت مع الدواعش ضده وهذا يمثل اكبر احباط عانى منه المالكي.
مقالات اخرى للكاتب