قبل ان ينتهي الحزن على زميلنا الصحفي والانسان كاظم دوحي مدير الاعلانات في جريدتنا، وقبل أن نستوعب هذا الفقدان لرجل عزيز علينا ، التحق به الكاتب معتصم زكي السنوي الذي غيبه الموت بسبب المرض ليكون الحزن متصلاً وبدون فواصل! وكان “السنوي قريبا مني في الاونة الاخيرة، وكان يسأل علي بأهتمام فأعتقدت بأنه يريد مني شيئا مهما! وعندما التقينا بجريدة الزمان، فاجأني قائلا:- ” بأنه قد عثر على اسم معبر لكتابي الجديد عن ادب الرحلات وهو – مسافر زاده الخيال- وهي عنوان لأغنية محمد عبد الوهاب،، نعم يا صديقي سوف أختار هذا العنوان أكراما لك،وبرغم من انني قد كتبت نقدا لمؤلفاته نشرت في جريدة الزمان ،ألا أنني أود أن انشر شهادة كنت قد كتبتها في مقدمة كتابه ((دور المجتمع في الوقاية من الجريمة ومكافحتها )) الصادر سنة 2015 ،فالشهادة تتكلم عن “معتصم السنوي” وهو لا يزال حيا على عكس الرثاء الذي يكون بعد الممات!!ويبقى الموت سيفا مرفوعا فوق الرؤوس.
معتصم السنوي كاتب يملك القدرة على تفسير الواقع ولا يهمل عنصر الخيال في جعل ما يطرحه مقنعا من الناحية الشكلية والفنية،وهذا المزيج جعله يكتب أكثر مما ينام! ويفكر بقدر ما يحلم فيه كل العراقيين، ما أن تقرأ مقالا له في السياسة حتى يفاجأك بمقال أدبي وما أن تحلق معه في مبحث فكري حتى يقودك بأسلوبه المختزل الى حيث المصطلحات والمفاهيم التاريخية والفلسفية! كاتب يجمع بين الكم المفيد والنوع الجيد،لا يشعر باليأس لكن تحس بأن كتاباته يغلفها الحزن النبيل، لا يرغب أن يرى محتلا أو ممزقا ولا يريد شعبه متناحرا، تستفزه أخطاء السياسيين فيلومهم لكنه لا يجرحهم فهو يملك حب الاصلاح اكثر من رغبة النيل حتى من خصومه في الفكر، يمكن أن تستدل على أسلوبه وأفكاره من خلال قراءة الأسطر الاولى من مقالاته فهو يملك الوقت الفائض لهما ، يحدد هدفه ويتوجه اليه مباشرة وبأسلوب مرن يقودك الى حقيقة طروحاته من دون أن تحس بأنك أحيانا لا تريد أن تعترف بما يفكر فيه ويكتبه وهذا هو سحر الاقناع في كتابات (معتصم السنوي) تابعت مقالاته في جريدة الزمان وهو من الكتاب الذين تراهم في اكثر من صفحة فهناك العمود وايضا الدراسات وحتى النقد، كما قرأت كتبه واستمعت بها فهو يملك اسلوبا في عرض الأفكار العميقة بأبسط العبارات، ومعتصم السنوي مثلما هو غزير الانتاج في التأليف والانغماس في عالم الكتابة الصحفية هو ايضا يركن جزءاً من وقته للقراءات الجادة التي تتمخض عن مشاريع كتب جديدة لما يملكه من ملكة في أعادة انتاج قراءته المتنوعة.
ففي كتاب بعنوان (التحديات الجديدة في عصر الاتصالات الحديثة) بلغت الهوامش (51) هامشا ولترى كم يجهد نفسه للاحاطة بموضوع البحث حتى تكون المخرجات عنده بمستوى وافضل مما تختزنه ذاكرته من مدخلات وافكار ومواضيع الاكثر اثارة للجدل.
(معتصم السنوي) الكاتب لا يختلف عنه الانسان، فهو تحس بكلماته قد اعتصرت قلبه قبل أن تنتقل الى الورق، وهو وطني بتاريخه وسيرته الحالية ولا أظنه سوف يكون غير ذلك وهو محمل بهموم الناس البسطاء وهي بذرة زرعت منذ أيام الصبا والشباب وترعرت لتصبح متأصلة في شخصيته. نوجه له التحية وهو يقدم لنا مولود معنوي آخر يتناول فيه موضوعا مختلفا عما قدمه سابقا من مواضيع في المجالات الفكرية والفلسفية ومجال الاعلام،كتابه الآن له بعد اجتماعي وأمني ونحن بحاجة لمثل هذه الكتابات التي تنادي بمعالجة الانحرافات والجريمة عن طريقة الوعي وبناء المجتمع تربويا، فليس المهم العقوبة بعد وقوع الجريمة بل الاهم عدم حدوث الجريمة لذلك سوف يطلع القارئ على أهم المقومات الاجتماعيية في بناء المنظومة الأمنية التي تجعل مناسيب الجريمة منخفضة، كتاب معتصم السنوي- (دور المجتمع في الوقاية من الجريمة ومكافحتها) اضافة جديدة وجادة في مجال التأليف لترسيخ مفاهيم أمنية واستقرار اجتماعي بعيدا عن الطرق التقليدية في معالجة خطورة الجريمة وتأثيرتها السلبية على الامن والسلم الاجتماعي.
مقالات اخرى للكاتب