مثلت العمليات الارهابية الاخيرة في بروكسل يوم 22/3/2016  والتي تبناها تنظيم داعش الارهابي ضربة قوية للحرب العالمية على الإرهاب، التي تقودها الولايات المتحدة. كما أكدت هذه العمليات الارهابية ، إن الحالة الداعشية لدى أجهزة الأمن الأوروبية تحولت من مجرد هاجس، إلى واقع على الأرض ، فالتهديد الإرهابي للدول الأوروبية مرتبط بمجموعة من الحقائق، أهمها عدم جدية أوربا والولايات المتحدة بوقف انتشار نفوذ “داعش” وتمدده في المنطقة العربية وخاصة في  العراق وليبيا وسوريا ومصر ، وهو نتاج فشل استخباري أوربي وامريكي في الوقوف على حجم وجدية الخطر والتهديد الذي يشكله تنظيم داعش الارهابي للأمن والسلم الدوليين عامة وللأمن الأوربي بصورة خاصة . لقد اثبتت هجمات بروكسل الاخيرة أن الاستخبارات الاوربية تفتقر الى القراءة الموضوعية لطبيعة نشاط التنظيمات السلفية الجهادية المنتشرة في بلدان الاتحاد اوربي ، وطبيعة العلاقات والصلات بينها على امتداد الساحة الاوربية فضلا” عن علاقتها مع التنظيم الام في العراق وسوريا ! كما عملية بروكسل ومن قبلها عملية باريس اثبتت جهل وضعف وعي أوروبا وإمكاناتها في مواجهة تنظيم داعش الارهابي ، حيث أن الدول الاوربية لا يوجد لديها تبادل للمعلومات حول التنظيمات السلفية الجهادية والارهابية الناشطة بها ؛ مما يجعل القبض على اعضائها أمرًا غير سهل، وهذه هي الفكرة التي تؤكد لهم أن عملياتهم سوف تنجح. ففي مطلع عام 2012   اعتقل في باريس ، أمير جماعة “فرسان العزة” محمد الشملان وعلى 19  عنصرا” من  الاسلاميين المتطرفين في فرنسا، يحملون الجنسية الفرنسية وينحدرون من أصول عربية ومغاربية، ، وقد عثرت الشرطة على أسلحة في منازلهم وبالكشف على الحاسب الآلي الخاص بأمير التنظيم وجدت إرشادات له يدعو فيها العناصر التابعة له إلى تعلم الرماية.

وقد ثبت أن لدي جماعة “فرسان العزة” علاقات قوية مع الجماعات المتطرفة وجيل من المهاجرين في أوروبا الذي يدعو بوضوح وبدون مواربة بأن أحفاد صلاح الدين قادمون، لتأسيس الخلافة، ومن هذه الجماعات التي ترتبط بها “فرسان العزة” ، جماعة  “الشريعة من أجل بلجيكا” “Sharia4Belgium” وهي جماعة اسسها متشددين من مسلمي بلجيكا في 2010 ويتزعمها فؤاد بالقاسم. وكذلك مع جماعة سلفية متشددة اخرى هي “’الشريعة من أجل هولندا” و”الشريعة من أجل بريطانيا” التي كان يقودها المتشدد الإسلامي أنجم شاودري و”الشريعة من أجل السويد” والشريعة من أجل أستراليا”. وتتبني هذه الجماعات ايدلوجية متقاربة وهي الايدلوجية السلفية الجهادية المتشددة، كما  يسعون الي تطبيق الشريعة الاسلامية في أوربا، وإقامة إمارة إسلامية. ان ما يهمنا في هذه الدراسة هو طبيعة الساحة البلجيكية التي كانت منطلقا” لنشاط ارهابي لتنظيم داعش امتد الى باريس والمانيا ، حيث أن اختيار “داعش” للساحة البلجيكية كقاعدة تخطيط وانطلاق لعملياتها الارهابية في عموم دول الاتحاد الاوربي لم يكن محض مصادفة او اعتباطا” كون داعش كان يعلم طبيعة التناقضات الاجتماعية في بروكسيل وفي منطقة مولنبيك ذاتها حيث يتمركز المهاجرون العرب والمسلمون في قلب العاصمة البلجيكية . لذلك اضحت مولنبيك مركز مخططي هجمات ارهابية: من اغتيال الزعيم المعادي لطالبان، احمد شاه مســـــــعود، قبيل هجمات الحادي عشر من ايلول (سبتمبر) 2001  الى اعتـــداءات مدريد في 2004  وصـــولاً الى إرداء 4  اشخاص في متحـــــــف بروكسيل اليهودي في 2014.  وحوادث هذا العام من الاعتداء المسلح الفاشل على قطار سريع، الى حملات مكافحة الإرهـــاب في فيرفييه البلجيكية، الى الاعتداء على المتجر الباريسي اليهودي والهجمات الأخيرة في العاصمة الفرنسية، وثيقة الصلة بمولنبيك ، ومع كل هذه المؤشرات لم تهتم الاستخبارات البلجيكية بالمعلومات التي استقتها من تركيا بعد أن استلمت أحد منفذي الاعتداء الارهابي الاخير في بروكسل بحسب ما ذكره الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، ، بتاريخ 23 اذار 2016 عن إطلاق بلجيكا لسراح أحد منفذي هجمات العاصمة بروكسيل،( يقصد “إبراهيم البكراوي”) بعد أن تم تسليمه من قبل السلطات التركية .

وقد يعزو بعض الخبراء في شؤون مكافحة الارهاب ، ضعف التعاون والتنسيق الاستخباري والأمني في بلجيكا الى وجود  ست حكومات: حكومة فيديرالية وحكومة فلندرية في مناطق الفلندريين، وحكومة الناطقين بالفرنسية، وحكومة الناطقين بالألمانية، وحكومة في منطقة الوالون وحكومة العاصمة بروكسيل الأمر الذي يعكس حالة من التشرذم السياسي والانقسام في السطات الامنية البلجيكية ، حيث يوجد 193  قوة محلية للشرطة وفي بروكسل وحدها 19 رئيس بلدية يتمتع كل واحد منهم بقدر من الاستقلال. وهذا يتيح للإرهابيين الاختباء عن أعينِ الرصد وهو ما لا يتاح لهم بهذا القدر في دول اخرى بالإضافةِ إلى إبطاء وتيرة إقرار القوانين الجديدة للحدِ من الخطبِ الدينية التي تحض على الكراهية في المساجد وتجــــارة السلاح المزدهرة. في وقت تفتقر فيه الاستخبارات البلجيكية الى ناطقين بالعربية في دائرة الأمن الداخلي، كما أنها أخفقت في اختراق تنظيمات السلفية الجهادية المتطرفة في منطقة مولنبيك بالذات حيث يتمركز المهاجرون العرب والمسلمون .  ويقول ألان وينانت رئيس جهاز الاستخبارات البلجيكية من  2006 حتى 2014 إن بلجيكا من آخرِ الأماكن في أوروبا التي حصلت على تقنيات حديثة في جمعِ المعلومات مثل أجهزة التنصت على الهواتف.

خلاصة القول ان فشل الاستخبارات البلجيكية في التحرك الاستخباري الاستباقي ضد تنظيمات داعش الارهابية في بلجيكا بغية إجهاض مخططاتها مبكراً، لا يبدو غريبا” في سياق الفشل الذي اتسم به العمل الاستخباري في كل من فرنسا والولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا وإسبانيا . لذلك فقد بات من المهم جدا” علاج هذا العجز في الوصول إلى الخلايا والتنظيمات الإرهابية، باعتباره من أهم وأخطر المهام الآنية التي ينبغي تحقيقها في سياق مكافحة وعلاج التنظيمات الإرهابية، دون الاكتفاء بالأساليب التقليدية للقضاء على الإرهاب، مثل استخدام القوة العسكرية التقليدية بل بالتعويل على الاستخبارات، لملاحقة ومتابعة وتفكيك خلايا الشبكات الإرهابية، والحيلولة دون تنفيذ هجماتها الارهابية .