من مقاصد الايمان، ان شرع العمل والكسب ، ورغب في التجارة والزراعة والصناعة ترغيبا يخلب ويحدب، ويحسن ويحبب، حتى محق من بين آله وذويه الكسل والخمول، فلم تعد ترى وتبصر الا من عناه كسبه وحده واجتهاده في هذا الكسب، وعمله والتصاقه بذلك العمل، وتجارته واخلاصه في تلك التجارة، رجاء السعة والافضال.
وكان (سعيد بن المسيب) ، ( رضي الله عنه ) يقول ( لاخير فيمن لايطلب المال : يقضي به دينه ، ويصون به عرضه، ويصل به رحمه ، ويؤيد به دينه، ويعود به على المحتاج، وتكون له في عباده الله اياد ، فان مات تركه ميراثا بعده).
ان الايمان اعظم دين تقدمي في الدنيا، ودستوره احكم دستور عرفه البشر، ونظامه لايدانيه نظام سماوي ولا نظام وضعي كان او هو كائن لو احسن ومقاصده، ولكن المؤمنين ركبهم الخمول، فانحدروا –واحسرتاه- الى اغوار الذلة والقلة والجهل والفاقة المرض، وراح كل واحد يقول : نفسي ، نفسي ، فتحكم فيهم اشباه الرجال ، فاذاقوهم العلقم طعاما، والغسلين شراباً، والظلم شعاراً ودثاراً، ثم تواثب عليهم المحتكرون المزيفون المخادعون من كل صوب وحدب، فجعلوا أعزة أهلها اذلة، وكذلك يفعلون. ومالهم : عافاهم الله- وقد تحللت بلادهم اكثرهم من سلاسل المزيفون واغلال الاستثمار والاستذلال ، لايريدون أن يحطموا عوامل الوهن والاستخذاء الجهل والمرض: مال بالهم ينقسمون على انفسهم ، والعدو الكاشح لهم بالمرصاد.
ما بالهم يستوردون لشفائهم من شقائهم افكاراً غائرة، ومبادئ غبشاء، وعدى وعتاداً من الحنق والحقد، والتفتيت والانقسام، وبين ايديهم الايمان الوافي من الارزاء، والشافي من الاوباء، يهيدهم الى العيشة الراضية، والحياة الطيبة، الى الحسنى وزيادة، لقد قال لقمان لابنه : يا بني ، استعن بالكسب الحلال من الفقر ، فانه ما يفتقر احد قط الا اصابه ثلاث خصال : رقة في دينه، وضعف في عقله، وذهاب مروءته واعظم من هذه الثلاث استخفاف الناس به.
وبديهي ان الايمان لايدع المؤمن ينطلق الى الاسواق والمعامل والمتاجر، حتى يغرس فيه من الخصال الحميدة الطيبة ما يجعله قدوة حسنة، ومثلا يحتذى به في الصدق والامانة والصبر والوفاء والادب وطيب القول والمروءة والانصاف والنصح والارشاد والشهامة والعفة والاحسان في المعاملة، وان لا يقتصر على اجتناب الحرام ، بل يتقي مواطن الشبهات ، وان لاينظر بالفتاوي، بل يستغني قلبه وإن أفتاه المفتون عملا بقول رسول الله محمد( صلى الله عليه وآله وسلم) : ( دع ما يريبك الى ما لا يريبك ) .
وهذه الخصال انوار في جبين التاجر الصدوق ، والعامل النصوح والمحترف النظيف وهي من قبل ومن بعد من اقوى الوسائل الناجحة الرابحة ثم هي خير اعلان عملي لترويج التجارات والصناعات داخلاً وخارجاً.
ولما كان الايمان ديناً إنسانا عاما خالداً، وان المعاملات جلها تخضع الى ناموس المداينة، كان حقاً عليه أن يحفظ للدائنين حقوقهم والمدينين اماناتهم وذممهم من الخراب. للايمان جميع الشرائع في صيانة كرامة المؤمن صيانة لم تخطر ببال مشرع، ولاجالت بفكر فيلسوف في جميع ادوار التأريخ الانساني الى يوم الناس هذا، حيث ضمن للدائنين حقوقهم على المدينين فخصص لهم سهما من ثمانية اسهم من اموال الزكاة، وتصرف في وفاء ديون غير المعتدين، ولا اللذين يأخذون اموال الناس يريدون اتلافها، وفي هذا السهم الوافي كفاية لسداد الديون وتطهير الذمم، وتنقيتها وتخليصها من التشهير بالافلاس القاهر- ان لم اقل – القتل الذي تفرضه جميع أنظمة العالم اليوم وتنفذه المحاكم المدنية على من عجز عن الدفع والسداد غير مبالية بما يتهدر من كرامات لنبر آدم ، الغافلين عن الحقيقة المطلقة والنور الحق المبين.
مقالات اخرى للكاتب