الأمة بأسرها ينقصها التفكير العلمي , وهو من أهم أسباب ضعفها وتداعيها على مر العصور البائسة الرزية.
والتفكير العلمي من صلب وجوهر العقيدة الإسلامية , وقد إنطلق مع بداية الإسلام , فالرسول والصحابة والأئمة , كانوا أصحاب مَلكة التفكير العلمي الرصين , فلم تكن أقوالهم وأفعالهم ووصاياهم مبنية على غير ذلك.
وعندما نتأمل الأحكام والفتاوى , نجد أنها قد إستندت على التفكير العلمي , وتوصلت إلى إستنتاجات وخلاصات تحدثت بها.
والفتوى الصائبة في حقيقتها ومنهجها , عبارة عن تفكير علمي يستند على أصول ومفردات وآليات البحث العلمي , الذي يؤدي إلى نتيجة ذات توافقات منطقية , تصل إلى قيمة معرفية وسلوكية.
وقد غاب التفكير العلمي عن منهج وسلوك الأمة , فتخبطت في الرؤى والتصورات , التي وصلت إلى حد الأضاليل والبهتان والهذيان.
فالتفكير العلمي فريضة إسلامية , ومنصوص عليها في القرآن , وكم تكررت كلمة يتفكرون ويعقلون , وفي أصلها تشير إلى مناهج التفكير والبحث العلمي , والتي أدركها الصحابة والتابعين.
وكما هو معروف , فأن المجتمعات المتقدمة تتخذ من التفكير والبحث العلمي منهجا ثابتا في جميع ما تقوم به وتقرره.
ومن الحقائق التي لا نعرفها عن الصين , والتي نقف أمامها مندهشين , أن "ماو" , برغم ما حملته تجربته من إخفاقات ونجاحات , إلا أن أعظم إنجاز حققه وأدى إلى صناعة الصين المعاصرة , هو تنمية التفكير والبحث العلمي عند الإنسان الصيني.
فعندما تقرأ خطابات "ماو" وقصائده , ومنذ الأربعينيات من القرن العشرين وما قبلها , تجد أنه قد إتخذ من التفكير العلمي والبحث العلمي منهجا لصناعة الحياة وبناء الصين.
فكانت قرارات الحزب الشيوعي الصيني , عبارة عن تجارب تخضع للدراسة والتحليل والبحث العلمي , للحصول على إستنتاجات وتوصيات ذات قيمة وطنية ومعرفية.
ووفقا لهذا البناء العلمي لعقل الإنسان الصيني , تمكنت الصين من صناعة الحياة وسيادة الأرض.
والتفكير والبحث العلمي واضح عند أبناء الصين , فعندما تتفاعل معهم , تستشعر ذلك في أقوالهم وسلوكهم وحياتهم.
وما ينقصنا كأمة , هو العمل على ترسيخ مناهج وآليات التفكير العلمي في حياتنا لكي نكون.
فالعصر عصر العلم , ولكي نكون فيه , علينا أن نتخذ منهج التفكير والبحث العلمي سبيلا للتعامل معه.
وما يجري في مجتمعاتنا بأسرها , يفسره غياب مناهج التفكير العلمي وأساليب البحث العلمي , التي علينا أن ننميها في عقول أبناء الأمة ومنذ المراحل الإبتدائية وما قبلها.
تلك حقيقة الضياع والهوان الذي تعيشه الأمة , ويمكنها الشفاء منه , بإتباع مناهج وطرق التفكير والبحث العلمي المعاصرة , التي تتخذ منها سبيلا جميع المجتمعات المتقدمة.
فهل أدركنا جوهر علتنا , وسبيل نجاتنا؟!!
مقالات اخرى للكاتب