الجوبي دبكة معروفة في المجتمع العراقي , وقد ألِفتها في المجتمع السامرائي , خصوصا في أيام الأعياد , حيث يجتمع الناس عند الملوية , وكان لها محترفيها , وهي عبارة عن نصف حلقة أو أكثر من الرجال المتاشبكين بالأيادي , يحركون أرجلهم بإيقاع متناسق , ويضربون بأقدامهم الأرض بقوة , يتوسطهم رجل يحمل مزمارا نسميه (المُطبك) , ورجل آخر يردد شعرا على إيقاع الدبكات وأنغام المُطبك , وهناك رجل هو القائد في الدبكة يكون في رأس الحلقة , وأحيانا يقفز رجل أو إثنان إلى الوسط ويبدأن بالدبك , والنزول والصعود وفي يمينهم مسبحة أو منديل يفرونه وهم يرقصون.
وللجوبي أغانيه أو أبوذياته وقصائده المؤثرة , وكان في سامراء للجوبي منشدين معروفين وعازفين على المطبك ودبّاكين رائعين , وكنا نتمتع بمراقبة دبكة الجوبي التي قد تستغرق ساعات.
ومعنى كلمة الجوبي , ربما من الصوت الذي يطلقه المشاركون في ذروة الدبكة "جا" أو "جو" , وغيرها من الصرخات التي تتوج ذروة دبكتهم.
وهناك تعريفات أخرى كرد أصلها إلى "الجوبة" , أو أنها ذات أصول كردية , أو غيرها ’ لكنها تعني الدبكة على إيقاع أنغام المطبك وألحان الأغاني الخاصة بالدبكة , التي لها أصولها وتقاليدها ومحترفيها.
تذكرت دبكة الجوبي ذات مساء في الصين , وأنا أتجول في مدينة شنغهاي , وبعد أن أظل الليل المدينة , أخذت أسمع أصوات دبكات وأنغام معزوفات , وعندما وصلت إلى المكان , وجدت العشرات من الصينين المسنين ينتظمون في حلقات كبيرة يزيد عدد المشاركين فيها عن المئة , ويؤدون دبكات على أنغام الموسيقى والأناشيد التي يرددها مجموعة منهم بأصوات شجية , فقلت أن الجوبي موجود في الصين!!
ورحت أقارن ما بين ما أشاهده وما حضر بذاكرتي عن دبكة الجوبي في سامراء , ويبدو أن المجتمعات تتواصل , فالعلاقة ما بين الصين وبلداننا قديمة جدا , والدليل الواضح عليها طريق الحرير , الذي لا يزال شاهدا على ذلك التواصل النشيط الفعّال.
الصينيون يمارسون دبكاتهم كل يوم بعد الإنتهاء من العمل , فيُضفون على ليلهم روح البهجة والنشاط والفرح , وهم يحلمون بيوم جديد يبذلون فيه نشاطا أصيلا , فلا متقاعد في الصين , والكل يمارس العمل ويتسابق مع الوقت بإصرار على صناعة الأفضل والأجمل.
فأين دبكة الجوبي الجميلة الرائعة , التي تبث الحيوية والنشاط في النفوس والأبدان؟!
سألت أحد مَن كنت أعرفهم بإجادته للدبكة وأغانيها , فأجابني وكأنه يسخر منها , وأبى أن يحدثني عنها , وفي هذا تعبير واضح على سلوكنا الذي يبخس أجمل ما فينا , ويرتهن بالمستورد الغريب الذي يتسبب في العيوب , ويجردنا من ذاتنا الأصيلة ومفردات وجودنا العزيز.
إنّ المجتمعات القوية تدبك وترقص , والمجتمعات الضعيفة الخاوية , تخنس وتبكي وتلطم , وتنكر الفرح والموسيقى والدبكات الشعبية الإنسانية التي تغذي الروح بالقوة والأمل.
تحية لدبكة الجوبي التي منحتنا بعض طاقات الجمال والفن البديع!!
فهل من دبكة جوبي تعيد إلينا الحياة البهيجة الطيبة الورفاء؟!!
مقالات اخرى للكاتب