هل أن العقل أم الدين أولا؟!
سؤال يواجهني كلما تأملت ما يدور في واقعنا المقيّد بالإنفعالات والمحير للألباب والبصائر والتقديرات , ولست بخصوص الغوص في نقاشات غير مجدية بيزنطينية الطباع , تحاول أن تجعل الجِمال (من جَمَل) العربية بأسرها تقف على نهاية إبرة أو تدخل من ثقبها لتخيط جروح أجيالنا.
وننسى أو نتجاهل , "إنا أنزلناه قرآنا عربيا لعلكم تعقلون" يوسف 2
فهل نتعقل أم أننا قد طلقنا العقل بالثلاث , واستلطفنا العواطف والإنفعالات , وحوّلنا الدين إلى مطية لأهوائنا؟
وفي الأحاديث النبوية:
"قِوام المرء عقله"
"لا مال أعْوَدُ مِن العقل"
"دواء القلب العقل"
"الجنة مئة درجةٍ , تسع وتسعون منها لأهل العقل وواحدة لسائر الناس"
إن في ذلك أولوية واضحة للعقل وسيادته عى أمر الدين , وليس العكس , فالقرآن لكي نعقله , ونستثمر قدراتنا العقلية لإدراكه والأخذ به كمنهاج عمل يتوافق مع الصيرورات المتجددة للحالات والأزمان.
فلكي يكون الدين صالحا في المكان والزمان , لابد من عقل المكان والزمان الفاعل في إدراك جوهر الدين , وتطويعه لإستيعاب الحياة وتنميتها بما يرضي خالق الأكوان , ومعايير الفرقان.
يقول الإمام علي بن أبي طالب:
"لا غنى كالعقل.."
"ربِّ إنّ مَن أعطيه العقل ماذا حرمته , وإنّ مَن حرمته العقل ماذا وهبته؟"
"...والعقل حسام باتر...وقاتل هواك بعقلك"
"إن المكارم أخلاق مطهرة
فالعقل أولها والدين ثانيها"
فالدين مقرون بالعقل , ولكي نحي العقل لا بد من المعرفة والعلم والتدبر والتفكر , وهذا يعني أن الدين لا يتفق مع الجهل , ولا يمكنه أن يكون صحيحا إذا ترافق مع تواصل الجهل والأمية وتوارثهما.
فالدين بحاجة ملحة وضرورية وأساسية للعقل , ومَن يحمل الدين على أكتاف الجهل , فأنه يسعى لقتله وتدمير معانيه ومراميه الإنسانية السامية.
وفي هذا التنافر تكمن معضلة الدين , والمقنعين به , أو المنافقين , الذي يظهرون غير ما يبطنون.
وبسبب التواصل في تنمية الجهل والإستثمار فيه , تكاثر الأدعياء وتخربت معالم ومناهج الدين , وأصبحت معاشر الجهلاء ذات إمام جهول , يأخذها إلى الصراط اللامستقيم , بإسم الدين وآيات القرآن الكريم.
يقول المعري:
"كذبَ الظن لا إمام سوى العقل..."
"نهاني عقلي عن أمورٍ كثيرةٍ وطبعي بالغريزة جاذبي"
فهل سيكون العقل مَنارنا؟!!
مقالات اخرى للكاتب