لم تكن الحرب العراقية الايرانية التي استمرت ثمان سنوات نزهة تقوم بها قواتنا المسلحة بل كانت حرب ظروس قاسية راح ضحيتها الاف الاشخاص اضافة الى حجم الدمار الذي خلفته بالمدن وخاصة القريبة من حدود كلا البلدين .. كان وجود الشباب بجبهات القتال يعني الموت المحقق وان نجا المقاتل فيكون مصيره اما الاصابة بعوق او الاسر .. كانت العائلة العراقية تعيش القلق والانتظار ان يأتي او لايأتي فلدة كبدها من الحرب التي كانت اشبه بمطحنة سريعة الدوران تطحن كل شيء كانت الدمعة لاتفارق الام مثلما لاتفارق الاب والزوجة والاطفال الكل يعيش القلق والانتظار الذي قد يكون طويلا ينذر بحدوث كارثة تجعل العائلة تتوشح بالسواد وتعيش فترة بؤس خاصة العوائل الفقيرة اما العوائل المترفه والغنية فكانت بعيدة عما يجري من مأساة بسبب امكانياتها في توفير الامن والامان لابنائها بعد ان تحرك " الواسطة " لتجعل الابن البار للوطن اكثر بعدا من جهات القتال.. ولم تكن عملية نقل المقاتل من جبهات القتال عملية سهلة بل تتطلب وجود شخص متنفذ يستطيع تحقيق رغبات العائلة بسهولة ويسر وليس كل شخص مهما علت رتبته العسكرية يمتلك القدرة على تحقيق ذلك الا اذا كان متنفذا ومن النوادر التي تذكر على سبيل المفارقة ان ضابطا في الجيش العراقي من الرتب الصغيرة يسكن محافظة نينوى ومقر وحدته العسكرية محافظة البصرة سعى من خلال صلة القرابة بينه وبين رئيس اركان الجيش الاسبق الفريق الركن عبد الجبار شنشل النقل الى اي وحدة عسكرية قريبة من محل سكنه وعندما طرح الامر على الفريق شنشل قال له " ان عملية نقلك تحتاج الى ظهر كبير " فاصيب الضابط بخيبة أمل وعاد مكسورا الى وحدته في محافظة البصرة فيما استطاع صديق كانت تربطه بجندي متنفذ يعمل بحماية خال الرئيس الاسبق صدام حسين نقل شقيق ذلك الصديق من محافظة البصرة الى بغداد حيث محل سكن عائلته بجلسة سمر وشتان مابين الفريق شنشل وذلك الجندي .. انتهت الحرب واعقبتها حرب اخرى اكثر ضراوة واكثر عنفا واعقب هذه الحرب حرب اقتصادية لتضييق الخناق على نظام صدام حسين الذي استطاع تجاوز الازمة الاقتصادية من خلال حزمه من القرارات من ضمنها توزيع المواد الغذائية الضرورية على العائلة العراقية وفق نظام البطاقة التموينية وكانت هذه البطاقة سلاح ذو حدين فهي البديل لسد حاجة العائلة العراقية وسد رمقها من جوع محقق وبديل لمعاقبة المعارضين للنظام من خلال حجبها عنهم .. كان المواطن العراقي يعيش الجوع والفاقة والحرمان من مستلزمات الحياة الضرورية فشراء الفاكهة كان نوع من المجازفة تثقل كاهل العائلة ماديا حتى استطاعت هذه العوائل الاستعاضة عن الفواكه والخضروات غالية الثمن من خلال ترويض الزائر الجديد " الباذنجان" لجعله اكثر تقبلا في المائدة العراقية من خلال التنوع في طبخه بعد اضافة المطيبات له فكان سيد المائدة تقبل العائلة على شرائه لرخص ثمنه رغم لونه الاسود المقزز والذي زاده بشاعة القرن الذي يعتلي رأسه ..
ورغم مجهولية اصل وفصل " الباذنجان " الا ان المؤشرات ومن خلال بشرته السوداء تؤكد انه ينحدر من اصول افريقية الا ان البعض يؤكد ان اصله ينحدر من شرق قارة آسيا ولربما دخل العراق مع الغزوا المغولي لكن المؤشرات تؤكد ان دخول " الباذنجان ارض العراق كان اكثر نفعا وفائدة من دخول " فاكهة " اليوم التي دخلت العراق من دول اوربية كونها " فاكهة " لاتحمل لون ولا طعم ولا رائحة فهي " فاكهة " ان تذوقتها شعرت بمرارتها فهي كالحنظل تبقى مرورتها عالقة في اللسان " فاكهة " نتنة تشعر عند تناولها ان استطعت وتجرأت على تناولها بدوار وصداع يعيد الى نفسك الحنين لتناول " الباذنجان " رغم سواد لونه فالمقارنة باتت كبيرة بين لون وطعم " فاكهة " اليوم ولون وطعم " باذنجان " الامس مثلما هي المقارنة بين الفريق عبد الجبار شنشل وذلك الجندي فسطوته وقدراته على فعل المستحيل اكبر من سطوة وقدرة الفريق الذي مات منسيا منفيا في بلاد الغربة
مقالات اخرى للكاتب