قصيدة « حرز البارود « حصدت الجائزة الأولى في مسابقة المكتبة الأدبية المختصة ، وحصل شاعرها المحظوظ ياس السعيدي على خمسين مليون دينارا ، وجدنا من المناسب معاينة القصيدة بجانبها الفني والشعري وفق ذائقتنا بقراءة النصوص الشعرية ؛ الشاعر يبدأ قصيدته بضمير الأنا ثم يتحوّل الى ضمير الجماعة ، بإنتقالة لامبرر لها سوى نفاد ذخيرة صنعته الشعرية ، حيث يتغير خطابه فجأة من الأنا الى ضمير الجماعة بعد بيته الشعري الذي يقول فيه : أنمو وعمري أنخاب من الملل ِ ، حيث يتحوّل خطابه الشعري الى ضمير الجماعة حين يقول : سلالنا مايزال القحط يملؤها الخ .. بل انه يبدأ بضمير الجماعة بالبيت الذي يسبق هذا البيت المشار إليه ويتخلل الأبيات مخاطبة ضمير الأنا لضمير الغائب أيضا ، هذا الإنقلاب بخطاب القصيدة وبُنيتها يؤشر خللا ًفي صنعتها الشعرية ؛ كما لو أنها كانت دمجاً بين قصيدتين ؛ إضافة الى إجترار أبيات شعرّية تطرّق لها شعراء كثرُ بقصائدهم سابقاً ، تلك التي تتعلق بواقعة الطف ومقتل العباس عليه السلام ،.وحرصاً على صفاء قصيدته ؛ نضع أمام الشاعر مقترحات لإستبدال بعض المفردات ؛ لأننا وجدنا توصيفه في بعض أبيات القصيدة لم يكن موّفقا ومرتبكاً ولايمنح القارىء دلالة شعرية تتساوق مع خطابها الذي إبتغاه .. يفتتح قصيدته بهذا البيت الشعري : بي حزن ليل وبدرٍ غير مكتمل ؛ أن علاقة الحزن بالليل ليست جديدة كما نعلم ، ثم كرر البيت قائلا : بي حزن عود !؟ هنا نسّب الحزن الى العود وأضفى على الصورة غموضاً وتعقيداً ؛ فلم نعرف ماذا يعني بالعود ؟ هل عود شجرة ، عود مشنقة أم آلة العود ؟ كما ان البدر الغير مكتمل لا يشير شكله كهلال مثلا الى حالة حزن مطلقاً ، كان يمكن أن يجعل بيته الشعري متألقا بتجدده ، لو قال : بي حزن شِعْرٍ وبيتٍ غير مكتمل ، ولكَ ان تتخيل كيف يكون الشعر حزيناً اذا لم يكتمل بيته الشعري وهي صورة شعرية أخّاذة ومبتكرة وليست رتيبة ومألوفة كما جاءت لدى الشاعر ؛ ويقول : والروح تطهى على نار من الخجل ؟ هنا جعل الروح تطبخ على نار من خجله ، إقتران الطهو بالنار ظاهرة معروفة وصورة مستهلكة أيضاً ، كان يمكن أن يكتب : والروح تطهى على كَرْبٍ ، غَمٍّ من الخجل ، بمعنى ان روحه طبختها المصائب ، وبذلك نحصل على جملة شعرية غير متداولة من قبل ؛ كما إن توظيف على جمْرٍ بدلاً من على نارٍ تنأى بهذا البيت عن المباشرة ؛ وفي عجز بيتٍ يقول : وموطني قطرةٌ من غيمة الغزل ! أي مديح بخس هذا ؟ حين يرى الشاعر وطنه قطرة من غيمة ؟ أليس الأجدر ان يقول : وموطني ماسةٌ من منجم الغزل ؛ وفي بيت آخر يقول : لي وطن من الشفاه وتأريخٌ من القُبل ! بصراحة لم نعثر على تفسيرٍ ذي فائدة يقنعنا بهذا التشبيه ؟ وهو توصيف قاصر ومشوش ومرتبك ، وكان الأجدر أن يقول : لي وطنٌ من الضياءْ وتأريخٌ من الأمل أو من المُثِلِ ، ويقول : تصّبُ الحرب خمرتها ؟! لم نجد ثمة علاقة جدلية بين الحرب والخمرة ، كان المعنى يكون أكثر بلاغة ويصبح أنضج شاعرية لو قال : تصّبُ الحرب جمرتها ؛ ثم يكتب في قصيدته : أنمو وعمري أنخاب من الملل ؟ وهو توصيف يفتقر الى الدقة والشاعرية ، وكان يمكن ان يقول : أنمو وعمري أضغاث من الملل ، ثم يصف الأجل بالتفاحة ! وهو تشبيه غير مقنع وكان الأجدر ان يكون التشبيه بفزّاعة الأجل ، لأن ساعة الموت تحمل رعباً وهلعا ًولا تحمل تفاحاً وزيتوناً ، ويكرر تشبيها خاطئاً مرة أخرى حين يقول قبسٌ من غربة الرسل ، بينما لو إستبدل الغربة بحكمة الرسل ، لنهض بشاعرية البيت وزاده ألقاً وتوهجاً ، وفي بيت شعري يقول : سقينا الأرض أدمعنا ولم نذق نظرة في موسم المقل ، بينما نقترح عليه هذا البيت : سقينا العشق أدمعنا ولم نذق قبلة في موسم القبل ؛ وفي بيت شعري يكتب : مسافرون الى الرؤيا نعانقها ، توظيفه وسيلة السفر لعناق الرؤيا ، كانت غير متوائمة مع صفة الرؤيا ، لأن الرؤيا تعوم بفضاءات بعيدة ، وأن إختياره لمفردة « محلّقون الى الرؤيا نعانقها ؛ نراها تتسق شاعريا ومعنىً مع كلمة الرؤيا ، ثم يقول : لم ترتجف من هبوب الحرب سعفتنا ، مفردة السعفة تشي بالأمن والسلام ، وكان الأفضل ان يقول : لم ترتجف من زفير الحرب رايتنا ، ذلك أن الراية لها دلالة النصر والقتال في وغى المعارك وأن زفير الحرب أفصح بلاغة ويحمل شحنة شعرية أكثر من هبوب الحرب ، ثم يصف دماء الشهداء المقدسة على إنها أغلى من دم الجُمل الشعرية ، وهي مقايضة وقسمة ضيزى حين أحال دم الشهداء الى سلعة بثمن ، وكنّا نتمنى لو قال : أنقى من دم الجمُل ، ثم يقول : لم نشرب سوى الوشل ، لكنه وشلٌ يكفي لنمنحهُ من فيض أعمارنا نهرين من عسل ِ ، لاحظوا كيف سيكون المعنى مثيراً لو قال : لم نشرب سوى الوحل ، لكنه وحَلٌ يكفي لنمنحه من فيض أعمارنا نهرين من عسل ِ ، ذلك ان التضاد بين الوحل والعسل أعمق وأكثر إختلافا أزاء الوشل والعسل . ثم يصف رأس الحسين «ع « بطريقة جامدة لا حياة فيها حين يقول : ورأس ملهمها يغفو على الأسل ، الفعل يغفو منح رأس الحسين « ع « الإستكانة والسبات وهو توصيف أخفق به الشاعر ولا يليق مطلقاً بسيد الثائرين وإن كان من المؤكد أن شاعرنا السعيدي لم يقصده ، لكن لا حظوا كيف سيكون البيت الشعري متفجراً بالحياة والأمل والسرمدية لو قال : ورأس ملهمها يرنو على الأسل ؛ بمعنى أن الحسين «ع « يرى عن كثب مايحدث الآن وماسيحدث مستقبلاً ، ذلك ان الفعل يرنو أحال خمود البيت الشعري الى شعلة متقدّة بالجمال والمعنى الشعري .لقد تناولنا هذه القصيدة بالتحليل لأنها إحتلتْ المركز الأول ، كما أن صورها الشعرية تمتعت بالرهافة وأفصحت عن تفرّدٍ بموهبة الشاعر ؛ وإن كان قد أخفق برسم بعضها ؛ كما تطرّقنا لذلك في أعلاه ، ومع كل هذا تبقى قصيدة حرز البارود ؛ مزدانة بصور شعرية أنيقة في بعض أبياتها ؛ وأن قافيتها كانت متوائمة مع طقوسها الدرامية ، لقد إطلّعنا على جميع القصائد الفائزة ، وإستوقفتنا قصيدة الشاعر البصري الشاب حسين أحمد الأسدي الذي كتبها عن الشهيد مصطفى العذاري ، فلقد أطربتنا وجعاً وغرّدت خارج سرب القصائد الفائزة ، إذ كانت حافلة بصور شعرية مذهلة ؛ وتفوّقتْ بخطابها الشاعري حتى على قصيدة حرز البارود ؛ وكانت تستحق من وجهة نظرنا أن تكون بالمرتبة الأولى في هذه المسابقة التي تعتبر الأكبر بتأريخ العراق من حيث قيمتها المادية وليست الإبداعية .
مقالات اخرى للكاتب