ما الذي جرى بالضبط في مجلس النواب يوم 22 آب الماضي... وبعده ؟ حسب ما جرى تسريبه للاعلام من قبل النواب الصدريين , فقد جرى التصويت على تمرير اتفاقية خور عبدالله , وانها على هذا الأساس ذاهبة الى رئاسة الجمهورية للمصادقة النهائية. بعد هذه الزوبعة "الصدرية" خيم الصمت على الموضوع.
إذا علينا ان نصدق اقوال النواب الصدريين , فربما علينا تكذيب ما نشر لاحقآ على موقع مجلس النواب. فعلى هذا الموقع في خانة القوانين الصادرة وهي القوانين المكتملة التصديق عليها من قبل رئاسة الجمهورية , ....لا اثر مطلقآ لاتفاقية خور عبدالله !! إنما نجدها... ما تزال في خانة القراءة الاولى !!!!
عودة الى يوم 22 آب حيث تفاجأت كالكثيرين باعلان رئيس المجموعة النيابية للتيار الصدري على التصويت على اتفاقية خور عبدالله. وهي اتفاقية وقعتها الحكومة العراقية (ممثلة بوزارة النقل) مع نظيرتها الكويتية يوم 29 نيسان 2012 (انظر في موقع البرلمان تحت خانة القوانين - القراءة الاولى) , لغرض تقاسم عائدية الممر المائي المعروف باسم خور عبدالله مناصفة. ثم أحيلت إلى رئاسة الجمهورية للمصادقة النهائية. والمعروف ان الخور قبل هذه الاتفاقية كان ممرآ بحريآ عراقيآ صرفآ منذ تأسيس الدولة العراقية. ويرفض عموم العراقيين هذه الاتفاقية ويعتبرونها تفريطآ باراضيهم.
بعدها لف الصمت الموضوع فترة أسبوعين ليثار فجأة مرة اخرى وبقوة ترددت على مدى ايام في الاعلام متمثلة بمناشدات من كتل برلمانية ونواب وعشائر ومواقع فيسبوك موجهة جميعها نحو نائب رئيس الجمهورية السيد خضير الخزاعي لثنيه عن المصادقة خلال فترة ال 15 يوم الدستورية على ما وقع عليه البرلمان.
ان ما يثير الإستغراب فعلآ في موضوع نائب الرئيس هو تأخر هؤلاء المطالبين برفض التوقيع لمدة أسبوعين، يمكن أن تكون قد مررت الإتفاقية خلالهما (التي هي من الخطورة على مصلحة البلد بحيث يمكن ان نطلق عليها اتفاقية جزائر ثانية). فلم يشرحوا لنا سبب التزامهم الصمت طوال فترة هذين الاسبوعين الفاصلين كانت وقتها الاتفاقية على ما نجزم , مطروحة على طاولة الخزاعي (او حتى التأكيد بخلاف ذلك تاريخ استلامه لنص الاتفاقية) ؟ فهل جرى استغفالنا مع هذه اللعبة ؟ الا يحق ان نعرف ما الذي جرى يا نواب ؟
ولم نفهم ايضآ المطلوب المراد من نائب الرئيس خلال كل هذه الفوضى. إذ كان من بين النواب المعترضين من يطالبونه بعدم المصادقة على الاتفاقية , وآخرين يطالبونه بنقضها ! ولم يجر توضيح الفرق لنا بين هاتين الحالتين علمآ ان صلاحية النقض غير موجودة في الدستور. وهكذا جرى تركنا في الظلام الدامس عمدآ في هذا الموضوع الهام. لكن لئن احجم "ممثلينا" عن التذكير بمواده ذهبنا ننظر فيه بانفسنا , لنرى... نص فقرة ثانيا من المادة 73 التي تحدد صلاحيات هيئة الرئاسة (ومنها نائب الرئيس) , تقول
))ثانيا
المصادقة على المعاهدات والاتفاقيات الدولية، بعد موافقة مجلس النواب، وتُعد مصادقاً عليها بعد مضي خمسة عشر يوماً من تاريخ تسلمها((.
وكذلك فقرة خامساً من المادة 138 التي تقول
))خامساً
أ ترسل القوانين والقرارات التي يسنها مجلس النواب، الى مجلس الرئاسة، لغرض الموافقة عليها بالإجماع، وإصدارها خلال عشرة أيام من تاريخ وصولها إليه، باستثناء ما ورد في المادتين (118) و(119) من هذا الدستور، والمتعلقتين بتكوين الأقاليم.
ب في حالة عدم موافقة مجلس الرئاسة، تعاد القوانين والقرارات الى مجلس النواب لإعادة النظر في النواحي المعترض عليها، والتصويت عليها بالأغلبية، وترسل ثانيةً الى مجلس الرئاسة للموافقة عليها.
ج في حالة عدم موافقة مجلس الرئاسة على القوانين والقرارات ثانيةً، خلال عشرة أيام من تاريخ وصولها إليه، تعاد الى مجلس النواب، الذي له ان يقرها بأغلبية ثلاثة أخماس عدد أعضائه، غير قابلةٍ للاعتراض، وتُعد مصادقاً عليها((.
لم يتجشم احد عناء شرح إن كان هذا ما حصل فعلآ. وهكذا ضاع الناس والرأي العام مرة اخرى
وقد "تكرم" السيد بهاء الاعرجي بنتفآ مما حدث اثناء طرح المعاهدة داخل مجلس النواب قائلآ بأنه لم يجر مناقشتها من قبل فنيين ليوضحوا تفاصيل الاتفاق بل فقط من قبل سياسيين. وهما وزيرا النقل والخارجية. ولم يرد الاعرجي توضيح الفرق بين الحالتين. فهل كان يريد الاشارة الى ان النقاش جرى بشكل مبتسر غير واف... ام لعله كان يقصد شيئآ آخر ؟ واضح انه اهمل توضيح إن كان ثمة تأثير لهذا على قانونية التصويت.
والمعروف عن نواب البرلمان عمومآ وهذه المجموعة بالذات انها قلما تقوم بشرح آليات العمل البرلماني للرأي العام. وجل "مساهماتها" في هذا الجانب هو ترك الناس في الظلام فيما يتعلق بتشريع القوانين وعمل المجلس.
إلا انه فات الاعرجي توضيح نقطة نعتبرها اهم من كل مما قاله ولا ندري إن سهى هو عنها ام لم ينتبه لاهميتها : وهي ان الاتفاقية التي وقعت نهاية نيسان العام الماضي لم تطرح للتصويت إلا في آب الماضي. اي انها بقيت نائمة في ادراج لا نعرف اي مسؤول مدة سنة ونصف لا يعرف الرأي العام عنها شيئآ !! فهل يعتبر إخفاء وثائق واتفاقيات كل هذه الفترة عملآ قانونيآ ؟ هل سأل الاعرجي هو ومجموعته مجلس الوزراء (او مسؤول الادراج) عن سر إخفاء اتفاقيات جرى فيها التنازل عن اراض وحدود بعيدآ عن الرأي العام طوال هذه الفترة ؟ لم لم يطرح الاعرجي التساؤل عن الشرعية القانونية لاتفاقية تنازل مشينة ابقيت بالسر مدة سنة ونصف دون مصادقة برلمانية ؟ هل سأل الاعرجي نفسه اية شرعية كانت ستبقى للبرلمان ))وللحكومة)) ولمجموعته وهم يتسترون اولآ ثم يصوتون لاحقآ على اتفاقية جائرة وقعت من خلف ظهر الرأي العام العراقي منذ ذلك الوقت ؟
ابهذه الطريقة يجري الدفاع عن مصالح العراق.... يا برلمانيون ؟
ولن نخوض اكثر في تفاصيل التصويت البرلماني على هذه الاتفاقية حيث كان عدد الغياب اكثر من ثلث اعضاء المجلس ((صوت 122 لصالحها مقابل 80 ضدها((.
بعدها جرى التصريح بإمكانية الذهاب الى المحكمة الاتحادية لنقض التصويت على الاتفاقية. واعلن عن جمع تواقيع بهذا الخصوص. والذهاب الى الاخيرة معناه ان المصادقة الرئاسية قد تمت وان الاتفاقية قد اصبحت قانونآ... وان نداءاتنا لثني الخزاعي قد باءت كلها بالفشل. لكن لا ندري إن جرى فعلآ مثل هذا التحرك نحو الاتحادية بغياب التأكيدات اللازمة حيث إننا نعتقد جازمين بان ليس من وظائف المحكمة العليا نقض التصويت النيابي على اتفاقيات دولية. فهل يجهل النواب هذه النقاط ؟ ومرة اخرى ترك الرأي العام في الظلام في هذا الموضوع الذي بالطريقة المتسمة بالفوضى والبعيدة عن المنطق الذي جرت فيه (وفي ظل غياب قانون لتنظيم التصديق على المعاهدات) , نشك ان يكون ورائه دوافع انتخابية....
بعد كل هذه "الضوضاء" في الاعلام اكتشفنا بالصدفة كما اسلفنا في بداية المقالة عن وجود نص الاتفاقية على موقع مجلس النواب في خانة القراءة الاولى لا الصادرة.... مع صمت تام من لدن الجميع !
وهكذا لم نعرف كيفية حصول التصويت في المجلس في ظل غياب اكثر من ثلث نوابه ولا سر الصمت لفترة الاسبوعين الدستورية حتى نهايتهما تقريبآ بعد التصويت النيابي. ولم نعرف إن قام نائب الرئيس السيد خضير الخزاعي بالمصادقة على الاتفاقية ام لا (لم يعلمنا احد ولا يبدو على الخزاعي ادنى اهتمام بالموضوع). فهل هذه هي طريقة عمل نواب المجلس وغير المجلس "الشفافة"، ام لعل هناك سببآ آخر قد لا يعلمه إلا الراسخون بالتجهيل والتغفيل والانتخابات حتى ولو بالتنازل عن اراضي وحدود بلادهم ؟
مقالات اخرى للكاتب