هذه المقالة هي ردنا على التصرف الاخرق وغير القانوني الذي قام به جهاز المخابرات العراقي عندما "بادر" خلال هذا العام الجاري بدلا من متابعة ارهابيي داعش ، الى اختراق حاسوبنا بطريق برنامج تجسس عن بعد. وهذا التصرف هو خرق لما اكد عليه الدستور العراقي في عدة مواد فيه بشأن الاجهزة الامنية ومنها جهاز المخابرات بشكل خاص على الموانع القانونية الضامنة لحقوق المواطن مثل المذكرة القضائية والضرورة الامنية. ومن المؤكد بان هذا الجهاز قد قام بنفس هذا التصرف المرفوض مع مواطنين آخرين.
يحاول مجلس النواب منذ العام الماضي إنجاز تشريع قانون جهاز المخابرات ، حيث تحُول الصراعات التحاصصية من جهة والموانع القانونية الدستورية من الجهة الثانية عن ان يبصر هذا القانون المهم النور. فالاحزاب الاسلامية الحاكمة تريد ان تحصل على جهاز يكون فوق القانون غير محكوم بالموانع الدستورية مثل المادة (40) بحيث تستطيع استخدامه للتجسس على المواطنين اولا وعلى خصومها السياسيين ثانيا. وقد انهى المجلس القراءتين الاولى والثانية لمشروع القانون بداية العام 2015 وفي نهايته ، وبقي التصويت النهائي الذي ما زال قيد التعثر.
وبحجة حساسية القانون وارتباطه بامن البلاد فقد قام سليم الجبوري بتحويل كل جلسات مناقشته الى السرية وهي حجة باهتة وتثير السخرية. فالغرض الحقيقي هو لكي لا تكشف مواقف كتلته منه والصراعات التحاصصية حوله داخل البرلمان ، والاهم لسد الطريق امام الاعتراضات الشعبية عليه ولتفادي معرفة ما تضمره لهم هذه الاحزاب البائسة. فكل فريق مثل الاكراد وما يسمى بتحالف القوى وغيرهم من الاشكال يريد ان يكون ممثلا فيه ، وهو ما ادى الى تعطيل تشريعه. وقد وضعنا رابط نص القانون اسفل المقالة. ولمن يعترض على إعلان نصه نقول له بأن كل اجهزة الاستخبارات الاجنبية على معرفة كاملة بما يجري في مجلس النواب من مداولات ، فما بالكم بهذا القانون ؟ لذلك فإن كل ادعاءات السرية هذه موجهة ضد الشعب فقط.
ولسنا معنيين كمواطنين كاملي الحقوق في بلدنا ، بالصراعات المتهافتة هذه حول القانون بقدر اهتمامنا بمطابقته لمعايير الحقوق المدنية للمواطن العراقي المثبتة دستوريا والاخرى المتعلقة بإبعاد الجهاز عن المحاصصة والفساد.
عند قراءة نص القانون وجدنا فيه امورا غريبة. فالجهاز سيكون مرتبطا بمجلس الوزراء حسب المادة (84 ثانيا) من الدستور. اي انه سيصبح جزءاً من رئاسة الوزراء فعليا وسيدين بالتالي بالولاء للاخير شخصيا. وهذا على الرغم عن ان تعيين رئيس الجهاز يقوم به مجلس النواب حسب المادة (61 خامسا) ويخضع لرقابته في المادة (84 اولا). لقد رأينا كيف ان رئيس الوزراء قد قام بخرق الدستور عدة مرات في السابق كلما تعلق الامر بمناصب حساسة. وإن لنا بمثال قضية التصويت على قادة الاجهزة الامنية من دون اي اعتراض من المجلس خير دليل. فكيف سيخضع جهاز المخابرات لرقابة مجلس النواب في هذه الحالة عندما سيوضع فعليا تحت سيطرة رئيس الوزراء ؟ ولا ندري كيف سنكون دولة ديمقراطية لا قمعية مع ربط هذا الجهاز الخطير بهذه الرئاسة !! من الواضح انه قد جرى تعمد وضع هذا التضارب بهذا الشكل في الدستور. نطالب اذا لتصحيح الوضع بتجاوز المادة الدستورية غير الديمقراطية هذه وبربط الجهاز بوزارة الداخلية الجهة المناط بها الحفاظ على الامن في البلد.
ونقطة اخرى مهمة لاحظناها. لم نرى اي ذكر في مشروع القانون لفترة بقاء رئيس الجهاز في منصبه وعمن سيقيله في حالة خرقه القانون ؟ ونعرف مما عايشناه مدى غرم الاسلاميون بخرق القوانين. فهل ان من يعين ، الذي هو مجلس النواب ، هو ايضا من سيقيل ؟ ايضا لا يوجد في مشروع القانون ما يشير الى هذا. لكن إن كان رئيس الجهاز واقع اصلا تحت سلطة رئيس الوزراء فلا من ضمان من ان الاخير لن يستغل هذه الثغرة. نطالب إذن بوضع فقرة تحدد فترة شغل المنصب وبتحديد الجهة التي ستقوم بإقالته عند خرقه القانون.
كذلك فقد وجدنا في نص القانون امورا اخرى ناقصة. فما ستكون مؤهلات رئيس جهاز المخابرات ووفق اية شروط سيتم اختياره ؟ ما ستكون الشهادة الدراسية الاساسية المطلوبة ؟ لم نرى اي شيء من هذا في قانون الجهاز في حين انه قد ذكر التحصيل العلمي الادنى (الشهادة الجامعية) لكل مدراء اقسامه. هل يشير خلو الفصل المتعلق برئيس الجهاز من هذه الشروط بأنه سيصطفى من فئة الجهلاء الاميين ممن لا يحملون اية شهادة دراسية وذلك لضمان طاعته لاية اوامر ؟ قد لا يشكل امر الشهادة حتى وإن جرى إضافته للقانون أي مانع لاشغال المنصب. إذ يكفي ترتيب شهادة مزورة لصاحب الشأن ليحل الاشكال. ولا نفهم سر تنظيم منصب رئيس الجهاز بدرجة وزير بدلا من مدير كما يجب ان يكون إلا بكونه رشوة للفائز بالمنصب هذا لضمان طاعته لمن اضفى عليه هذا الامتياز.
لكن اهم النقاط التي اثارت انتباهنا (وقلقنا ايضا) في مشروع القانون هذا هو ما رأيناه من وجود التفاف على ضمانات حقوق المواطن المذكورة في المواد (40) و (84 اولا) و (9 اولا) من الدستور. فالاولى تقول بشأن عمل الجهاز بأن " حرية الاتصالات والمراسلات البريدية والبرقية والهاتفية والالكترونية وغيرها مكفولة ولا يجوز مراقبتها والتنصت عليها إلا لضرورة امنية وبقرار قضائي ". والتاليات تشدد على ألا تكون الاجهزة الامنية اداة لقمع الشعب العراقي وان يعمل الجهاز بموجب حقوق الانسان. فعدا الجملة الاخيرة لم نرى ورود ذكر باقي هذه الموانع الدستورية نصا في اي من مواد مشروع القانون وهو ما يثير قلقنا. بدلها جرت الإشارة بجمل عامة الى الدستور. هكذا نرى مذكورا في الفقرة (3 باء - المادة 6 اولا) تحت بند واجبات الجهاز بأن الجهاز يتولى : "إدارة نشاطه بشكل ينسجم مع الضمانات الاساسية لحرية المواطن وحقوق الانسان". هذا التفاف بجمل عمومية على المادة (40) من الدستور. وشتان ما بين النصين. نطالب بحذف هذه العبارة الواردة في هذه الفقرة (3 باء) واستبدالها بنص المادة (40) الدستورية بحذافيرها كي تكون الامور واضحة للجميع. الفقرة التالية بعدها تحت نفس هذه المادة ، الفقرة (3 جيم) نرى بأنها ايضا تحاول الالتفاف على الحقوق المدنية للمواطن. ايضا تحت واجبات الجهاز تقول هذه الفقرة : "بعدم القيام بأي عمل من شأنه ترويج او تقويض مصالح.. اي مواطن عراقي لاسباب عرقية او قومية او دينية او طائفية او قبلية او بسبب الجنس او الاصل". السؤال هو لماذا لا نرى جملة "حرية المعتقد السياسي" من ضمن هذه الفقرة ؟ اليس هذا التفاف آخر على المادة (40) إياها ؟ لم تكن صدفة وضع اشتراط توفر الضرورة الامنية والقرار القضائي في هذه المادة المتعلقة بالتنصت على المواطن في الدستور. فهي اساس حماية الحريات العامة ومنها حرية المعتقد السياسي. إلا انه يبدو أن نواب المجلس المنتخبون قد ارتأوا اتخاذ طريق آخر وهو تجاوز المادة الدستورية وإهمالها. وبهذا يكون مجلس النواب بوارد تكرار ممارسات النظام الدكتاتوري القمعي السابق. نطالب إذن بإضافة هذه الجملة الى هذه الفقرة.
وضع جهاز المخابرات تحت سلطة رئيس الوزراء له ارتباط مباشر بموضوع المادة (40). فوضع الجهاز تحت سيطرة الاخير غير القوى العسكرية الضاربة الاخرى مثل الحشد الشعبي ومكافحة الارهاب التي ايضا جرى ربطها بنفس هذه الرئاسة سيجعل من الاخير شخص ذو قدرات كبيرة وواسعة جدا. وهذا التركيز للقدرات التنفيذية بيد شخص واحد يشي بمحاولة لاعادة إحياء الدكتاتورية القمعية. وإلا فما الضمان من عدم تحول رئيس الوزراء الى صدام حسين جديد ويبدأ بقمع معارضيه بطريق كل هذه الاجهزة ؟ كذلك فاي مجلس نواب يكون هذا الذي بدلا من سن القوانين التي تبني الديمقراطية نراه يساهم ببناء الدولة الدكتاتورية القمعية ؟ لقد اثبت مجلس النواب بهذا بانه ظهير الدولة القمعية لدى تمريره لهذا القانون بالقراءتين الاولى والثانية.
حسب الخبر في الرابط فقد تم الاتفاق في مجلس النواب على عدم نشر نصوص القانون في الصحيفة الرسمية حتى بعد إقراره..... لحساسية الموضوع.
رابط مشروع قانون جهاز المخابرات
http://www.alforat.info/index.html?page=article&id=39142
مقالات اخرى للكاتب