ترجمة: هاشم كاطع لازم – أستاذ مساعد – جامعة البصرة – كلية الآداب hashim_lazim@yahoo.com
بقلم: البروفيسور فيرديناند فون بروندزينسكي Ferdinand von Prondzynsky
حضرت قبل أيام حلقة نقاشية تناولت عددا من المواضيع تطرق أحدها ل (مواصفات الخريج الجامعي المؤهل) الذي يتخرج من جامعاتنا وأقصد بذلك الخريجين الذين يحملون المواصفات المطلوبة التي تلبي الحاجة الوطنية. ولاشك أن مثل هذا الأمر يتسم بأهمية كبيرة لأنه ينطلق من فرضية أن الحاجات الوطنية من هذا النمط يمكن تحديدها بنجاح وعليه يمكن التمييز بين الخريج (المؤهل) و (غير المؤهل).
هناك ثلاث وجهات نظر محتملة تتعلق بهذا الأمر ، الأولى أن الخريجين المناسبين هم أولئك الذين تخرجوا بعد أكمال المقررات الدراسية التي رغبوا بدراستها هم أنفسهم دون الألتفات الى أهمية تلك المقررات لأية جهة أخرى وبضمنها الحكومة. ووجهة النظر الثانية تقف موقف الضد من ذلك بمعنى أن هناك أهتماما عاما للتيقن من أن هناك تدفقا فعليا للخريجين الذين أكتسبوا المهارات التي تتوائم والحاجة المحددة لذلك. أما وجهة النظر الثالثة فتتوسط وجهتي النظر السابقتين.
غير أن المشكلة القائمة اليوم تتمثل في أن وجهات النظر الثلاث تلك لاتجد طريقها الى أرض الواقع في الأعم الأغلب فمن غير الممكن القول أن لدى الطلبة حرية الأختيار نظرا لوجود ضغوط من أطراف أخرى ومنهم أولياء الأمور. كما لاتوجد ثمة سيطرة من جانب الدولة. وهنا ربما يتبادر الى الذهن نموذج (وجهة النظر الوسطى) الذي يحل مثل هذه المشكلة ، لكن واقع الأمر يقول خلاف ذلك فما يقيد الأختيار الحر ليس الأولويات الوطنية فحسب أنما التشويهات الأصطناعية الخاصة ذات الصلة بتمويل التعليم العالي الممزوجة بتقلبات التوظيف في الجامعة وآليات الآختيار.
وهناك بعض الأمور العامة التي يتعين التطرق اليها حول الخريجين (المؤهلين) ،فربما يذهب البعض الى أن الخريجين الذين تفوقوا في دراستهم هم من يمثل الخريجين الجامعيين الحقيقيين في سائر الحقول المعرفية. ثم أن أي خريج أكتسب المهارات القابلة للنقل ، التي سوف تدعم التطور الأقتصادي والأجتماعي ، هو الخريج (المؤهل) وأن كان الموضوع الدراسي الذي درسه لايمت بصلة لقطاع الأعمال الذي يرصده الخريجون هذه الأيام.
من جانب آخر أرى أن للتعليم العالي دورا حاسما في تحقيق توزيع أفضل للمهارات والمؤهلات الخاصة لمصلحة البلاد ، ففي مايخص الوضع في أسكتلندا هناك جدل متواصل عن المدى الذي يؤهل في ضوئه النظام التعليمي خريجين بأعداد كافية يمتلكون مهارات في حقول مثل هندسة النفط أو الجيولوجيا البحرية. هنا لابد من طرح أسئلة مثل: هل يسهّل مثل هذا الأمر توفير فرص عمل للطلبة؟ أذا كانت الأجابة بالسلب ، هل يتعين على الجهات الممولة والجامعات تجاهل متطلبات سوق العمل؟
تأسيسا على ذلك ، هل يمكن أقناع الطلبة بأن يأخذوا بعين الأعتبار المقررات الدراسية التي تم تحديد الحاجة الوطنية أليها؟ أو هل ندعهم يختارون المقررات التي تروق أليهم؟ هل يتعين علينا أن نفكر مليّا في نظام تأخذ فيه برامج الدراسات الأولية ووحدات القياس التعليمية طابع نموذج أدبي ليبرالي ويقتصر فيه الأختصاص على برامج الدراسات العليا والبحث؟
أخشى بعد كل هذا الذي ذكرناه أن تكون أجراءاتنا قاصرة في هذه البلاد لعدم وجود أجماع حول هدف التعليم العالي. فهل نتطلع الى برامج تعليم عالي تتماشى مع الأحتياجات الوطنية على نحو أكثر مباشرة؟ وهل يوفر التعليم العالي المناهج الدراسية التي يرغب بها الطلبة؟ ربما يكون من المناسب أن تعمل مختلف المؤسسات التعليمية أو أقسام مختلفة من داخل المؤسسة التربوية الواحدة على النظر الى مثل هذا السؤال بشكل مختلف؟ على أن الدرس الحقيقي الذي نستخلصه من كل ذلك أن مثل هذا السؤال لاينتظر أجابة شافية.
مقالات اخرى للكاتب