على طريقة المثل الشعبي الدارج ( أراويه الموت حتى يقبل بالسخونة ) ، خرج وزير المالية ( العراقي ) هوشيار زيباري أمس على شاشات الفضائيات ليعلن عدم إمكانية الحكومة بتوزيع رواتب الموظفين ابتداءا من شهر نيسان المقبل في حال استمرار انخفاض أسعار النفط ، وقال من الممكن اللجوء إلى خيارات أخرى لتفادي ذلك ولكنها سوف تكون شديدة الأثر أيضا ، وقال أيضا إن هذا واقع ويجب أن يعرفه الناس ، فإننا قد نتعرض إلى إشكالية في شهر نيسان وقد لا نتمكن من توزيع رواتب الموظفين لذلك الشهر ، وأضاف هناك سبعة ملايين شخص يتقاضون الرواتب من مجموع سكان العراق البالغ عددهم 36 مليونا ، مبينا إن مجموع ما يتم توزيعه من رواتب شهريا يبلغ أربعة مليارات دولار ، وان الإجراءات التي ستتبع إذا استمر انخفاض أسعار النفط هي الاقتراض من المؤسسات الدولية بفوائد قليلة والخيار الآخر هو رفع سعر صرف الدينار العراقي ، وعلى الرغم من أنه اختيار خطر وقد تكون له تداعيات ، لكننا فكرنا في عدم منح الرواتب كاملةً وأن نبقي بعضها لدينا كقروض وأن نمنح مستندا بأننا سنعطي الاموال متى ما تتوفر لدينا ، وأشار زيباري إلى أن من الخيارات المتبعة بيع النفط واستلام المال مقدما ، إضافة إلى خيار رفع تسعيرة خدمات المياه والكهرباء والمحروقات لكنه ليس سهلا فإن أي حكومة تطبقه تكون عرضة لردود أفعال المواطنين ، مؤكداً أن القرارات الاقتصادية مؤلمة ، لكن يقال إن أي قرار اقتصادي إن لم يكن مؤلما فهو ليس بقرار .
وكل ما ذكره السيد وزير المالية صحيح ولكنه ليس جديدا لأنه موضوع تم التداول به منذ أشهر وقد كتبت عنه العديد من المقالات ، ولكن الجديد في الموضوع أن يخرج معاليه في وسائل الإعلام متوعدا بهذه الإجراءات بشكل يربك الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية ويعرض الوظيفة العامة للخطر وعوائل الموظفين إلى القلق الشديد ، ولم نجد من المناسب جدا أن يتم طرح هذه الخيارات الصعبة وهي لم تناقش بعد في مجلس الوزراء ولم تتخذ قرارات بشأنها بعد ، فمن واجبات الوزير ( أي وزير ) عرض القرارات التي يتم اتخاذها في مجلس الوزراء من حيث آليات التنفيذ والشرائح المستهدفة وعرض الخيارات المتاحة للتخفيف عن كاهل المواطنين وليس العكس ، أما استباق الأمور وتعريض الأسواق إلى ما لا يحمد عقباه فهي أمور غير مرغوبة في دولة ( المؤسسات ) ، فعلى سبيل المثال إن التلميح بتغيير أسعار الصرف سوف يزيد من الطلب على الدولار وعدم التوازن بين الطلب والعرض ، فخفض أسعار صرف الدينار العراقي يؤدي إلى ارتفاع أسعار السلع والخدمات في الأسواق والمتضرر الأكبر هم الفقراء الذين يشكلون 40% من مجموع السكان حاليا ، كما إن مثل هذه التصريحات تتيح الفرصة للمتربصين وتجار الحروب والمتصيدين بالماء العكر بالتصيد في هذه الظروف لكي يزيدوا من السحت الحرام ، علما بان مجلس الوزراء سبق وان شكل خلية الأزمة المالية المعنية بمواجهة هذه الأمور ولم يصدر عنها شيئا بخصوص ما يتعرض له البلد من انخفاض الإيرادات والحلول .
لقد توقعت الغالبية العظمى من أبناء شعبنا بان تقوم الحكومة باحتواء الأزمة المالية التي تمر بها الدول المصدرة للنفط بعد الانخفاض الكبير بأسعار النفط ومنها العراق ، وسبب هذا التفاؤل إن حكومتنا قد فوضت من قبل مجلسي الوزراء والنواب والشعب باتخاذ مجموعة من الاصلاحات ، وقد أعلنت حزم من هذه الاصلاحات كما اتخذ السيد العبادي خطوات مهمة لإنعاش القطاعات الصناعية والزراعية والإسكان الخاصة من خلال تخصيص 5 تريليون دينار من حوالات الخزينة أو الاقتراض من المصارف المحلية ، كما وعدت وزارة المالية والبنك المركزي العراقي بإجراء مجموعة من الاتصالات والمشاورات لتوفير السيولة النقدية من الداخل والخارج ، وقد تم التعويل على العلاقة ( الايجابية )مع البنك الدولي وصندوق النقد الدولي والمؤسسات المالية الأخرى التي لم تفعل شيئا سوى إقراض العراق 1,2 مليار دولار بشروط غير معروفة ، ولم ينفك المستشارون من الخروج على الفضائيات وهم يصرحون باتخاذ إجراءات لمواجهة الأزمة وتقليل آثارها لا سيما على الموظفين ، فالكثير اعتبروا رواتب الموظفين ومعيشة الفقراء خطا احمر لا يمكن تجاوزه والبعض قال بان الادخار الإجباري على الموظفين الذي ورد في قانون الموازنة لسنة 2015 لم يتم اللجوء إليه لعدم الحاجة له في الوقت الحاضر ، ولكن بليلة وضحاها يخرج علينا وزير المالية لاستخدام جميع الأسلحة ومنها عدم دفع الرواتب للموظفين من شهر نيسان القادم لان عددهم 7 ملايين وكأن عددهم غير معروف من قبل .
ونحن نسأل ( فقط ) هل يليق بدولة ذات سيادة ودستور وواحدة من الدول الغنية بثرواتها إن يعلن فيها عدم القدرة على دفع الرواتب ؟ ، ونحن نقول قبل أن يجيب الغير ، لا يليق بنا كشعب أن تكون دولتنا غير قادرة على دفع الرواتب للموظفين والأزمة المالية غير مفاجأة وقد مضى عليها أكثر من عام ، آخذين بنظر الاعتبار إن دولة رئيس الجمهورية موظف ودولة رئيس الوزراء موظف وكل التسلسلات في الدولة العراقية موظفين ولديهم رواتب واجبة الدفع ومن المعيب عدم دفعها ، ورواتب الموظفين ليست للرفاهية وإنما لسد متطلبات الحياة لأغلب العراقيين لان في كل بيت موظف على الأقل وان عدم دفع الرواتب يعني توقف الحياة الاقتصادية بشكل كامل ، ونشير بهذا الخصوص إن شعور شرائح عديدة من أبناء شعبنا بان رواتبهم مهددة بالتوقف سيجعلهم تحت الضغط لان القضية تتعلق بمعيشتهم المباشرة ، والوقوع تحت الضغوطات ربما يقود البعض منهم لاتخاذ ردود أفعال غير محسوبة في وقت نحتاج فيه إلى نوع من الأمن والانضباط لاستكمال تحرير الأراضي المحتلة بعد تحقيق الانتصارات الأخيرة بدماء الشهداء ومجهودات الأبطال ، وحسب رأي الخبراء والمختصين فان هناك حلولا لمواجهة أزماتنا المالية الحالية من خلال إجراءات اقتصادية يمكن صياغتها من قبل ذوي الاختصاص والتي لا تقوم في فلك النفط وإنما بتفعيل الثروات ، فبيع النفط المؤجل والاقتراض الخارجي وبعض ما يطرح من غير اطلاع وموافقة الشعب يوصلنا إلى ما وقع به البلد في جولات تراخيص النفط ، وكل ما يجب العمل عليه هو استثمار الوقت والفرص وعدم إهدارها قط فالفعل أكثر جدوى من التصريحات .
مقالات اخرى للكاتب