استطاعت منظمات المجتمع المدني ان تحقق اول انتصار لها وتكسب القضية الاولى وذلك عندما استحصلت حكما قضائيا ينص على عدم دستورية تقاضي النواب رواتبا تقاعدية وكذلك عدم احقيتهم بالحصول على الامتيازات التي يمكن ادراجها تحت عنوان الحقيقة اغرب من الخيال، اذ ان النائب، والذي يمكن تعريفه بكائن طفيلي كسول يعيش على امتصاص دماء الشعب ويحل عليهم مثل ما تحل العلة على المريض، يتقاضى مخصصات حراسة حتى بعد تقاعده وان اختار العيش في جزر الواق واق.
بعد صدور الحكم وتبادل تهاني وتبريكات الفرحة واعلان انتصار شعار(لا لتقاعد النواب)، حدث شيء غريب لا يوجد له تفسير، مع ان غياب التفسير في العراق هو القاعدة وليس الاستثناء، اذ خلد الجميع للصمت، منظمات مجتمع مدني وصفحات الكترونية ومواقع فيس بوكية، وكان قوة غيبية قد ضغطت على زر للنعاس، فنعس جميع المطالبين وناموا مثل ما نام اهل الكهف وعندما استيقضوا رجعوا الى النوم مرة اخرى.
فهل يمكن ان يكون معقولا، بعد الاحتجاجات والمظاهرات التي تلقفتها الشرطة بالهراوات والكفخات والركلات، واودعت البعض ردهات المشافي والمعتقلات، وبعد كل الخطب والعهود بمواصلة النضال واستكماله ورفع شعار لا لتقاعد الرئاسات الثلاث ولا لامتيازاتهم، ان يلف الصمت المطالبين وينقطعوا عن متابعة قضيتهم التي اعلنوا انهم لا بد ان يكونوا فيها المنتصرون!
هل اعتقدوا انهم يعيشون في واحة الديمقراطية وحدائق العدالة الاجتماعية حيث تسارع السلطات المعنية بتطبيق الاحكام دون ابطاء ومن يغش او يتحايل او يحور ويدور القانون سيكون تحت طائلة العقاب! اتراهم نسوا انهم يعيشون في وطن ( القوي ياخذ الرچيچ)
العكس صحيح تماما في المثل القائل ما ضاع حق وراءه مطالب، اذ ان الحق يضيع حتما ان لم يطالب به احد.
وخير مثال هو الشعب العراقي، فرغم العسف الدموي والمعيشي والصحي والغذائي والدوائي الذي يشكل اجندته اليومية وكابوسه الدائم، ورغم غياب العدالة الاجتماعية بشكل تام وظالم، ورؤيتة للفروق الكبيرة بين طبقة المترفين، وهم ساسة ورجال دين وسماسرة وتجار وهميون ومقاولون مراوغون وقطط سمان وطفيليون وحاشيات الكبار، وبين بقية الشعب، تلك الفروق التي لم يعد يسمع بها الناس فقط بل يحسونها ويرونها في الشارع وفي الصحافة وعلى شاشات التلفزة وعلى مواقع الانتر نت وفي القوانين ومشاريع القوانين، يصمت الشعب ولا يحرك ساكنا وينشغل بالصلاة والدعاء والتوسل الى المرجعيات الدينية، عن النضال من اجل نيل الحقوق وتصحيح المعادلة ومحاسبة المتسلطين والمسيطرين على السلطة، فهل من استغراب ان ضاع حق الشعب واستهزأ به الحاكمون اولئك الذين تحاصصو وفرهدوا ممتلكات وثروات النظام السابق وهي بالمليارات وتقاسموا القصور والقيعان والسيارت وكل الاموال المودوعة في البنوك الاجنبية؟
ورغم كل الخلافات والتناحارت بين كتله وبين اعضاءه، ومخالفة للدستور وعدم احترام للقضاء العراقي، صادق مجلس النواب على قانون التقاعد والذي يقر الرواتب التقاعدية للنواب وكذلك للرئاسات الثلاث مع ضمان كافة الامتيازات بقوانين ملحقة تفصيلية. الذين امتنعوا عن التصويت كانوا ثمانية والمعترضون 2 والموافقون 173.
فكيف لنا ان ترقب خيرا من برلمان لا يحترم القانون ولا قرارات القضاء.؟
هل ان ذلك لغباء ام لحرمنة؟
انهما الاثنان معا!
الا يعتبر مخالفة حكم قضائي نافذ المفعول هو حنث باليمين ودنس للدستور؟
على منظمات المجتمع المدني والاحزاب الوطنية ان تصحى من نومها او غفلتها وتفيق من احلام اليقظة وتعود الى النضال مرة اخرى وتطعن بالقانون شعبيا وقضائيا.
الشعوب في حالة ثورة فلماذا يكون الشعب العراقي في حالة نوم؟
ان النواب العراقيين مثل القطط التي تدعو على اهلها بالعمى لكي تسرق دون ان يراها اهل البيت.
انهم ثعالب خبيثة ومحتالة، اذ يعرفون تماما الحاجة لقانون التقاعد وان المواطنين يترقبونه مثلما يترقبون هلال انتهاء شهر رمضان فرحا بانتهاء جوعهم وعطشهم، ويعرفون كون الحد الادنى للراتب التقاعدي بـ 400 الف دينار هو حلم يداعب عيون المتقاعدين، لذلك، ولانهم خبثاء وسوقة، ادرجوا فيه ما يضمن رواتبهم وامتيازاتهم الى اخر العمر.
لنقلها بصراحة ، ان البرلمان اصبح يشكل عبأ ماليا وعبأ طبقيا وعبأ تناحريا على العراقيين، ان هذا العدد الكبير من التنابل الذي يصلح ان يوضع في معارض الغرابة ، لا يلزم العراقيين ولا يفيدهم.
والمثل العراقي يقول
لوحده ما عايش وجايبله هوايش.
مقالات اخرى للكاتب