بعث رئيس مجلس الوزراء العراقي نوري المالكي برسالتين خطرتين الاسبوع الماضي؛ ولا ادري ان كان يراد منها ايصال فكرة معينة الى الشارع العراقي، أم ان الظروف السياسية المعقدة و"فلتات اللسان " والفورة الانتخابية هي من تقف ورائها.
الرسالة الأولى تلك العبارة التي قالها رئيس مجلس الوزراء اثناء اعلانه عن ائتلافه الانتخابي لخوض انتخابات مجالس المحافظات؛ حين أكد ان لولا ائتلاف دولة القانون لانهار العراق (!) وانه واثق من ائتلافه سيحقق نتائج متقدمة في الانتخابات القادمة.
هذا الكلام لا ينم عن ثقة سياسية فحسب، بل هو ناتج عن شعور حقيقي بأن الائتلاف والحزب الحاكم، هو صاحب الفضل الاول والاخير لبقاء العراق موحداً، وهو ينفي اي ادوار اخرى للشركاء السياسيين الاخرين في العراق او القوى الوطنية والمدنية في البلاد، بل والشعب العراقي برمته، ويتضمن ايضاً تشكيكاً غير معلن بنوايا الاخرين الذين وبتفسير بسيط لكلام رئيس الحكومة، فأنهم غير مؤتمنين على وحدة العراق، لذا فأن دولة رئيس الحكومة يعتبر انه صاحب الفضل الاول في ابقاء البلاد موحدة ترفل بالأمن والخدمات على عكس خصومه الذين يريدون ان يهدموا العراق.
ولكي لا اطيل بالتأويل وقراءة ما وراء التصريح، ارى وبكل بساطة ان هذا التصريح يصب في خانة "النرجسية السياسية" التي لم تتخلص منها النخبة السياسية في العراق، فكل سياسي عراقي حين يتاح له التصدي لموقع المسؤولية، يظن ان وجوده في هذا المنصب هو ضمانة للبلاد ووحدتها وامنها واستقرارها وبخلافهِ فأنها معرضة للزوال.
وهذا الكلام وان صدر من السيد المالكي، فهو غير مستعبد ان يصدر من اي سياسي عراقي اخر كان سيقف موقف الاخير، بل لربما ستصل النرجسية ببعض السياسيين الى ان يقولوا زوراً وبهتاناً بأنهم هم اسقط صدام، لا دبابات بوش الصغير!
الرسالة التي اراد السيد المالكي ان يبعثها، وان كنت اظنها عفوية، الا انها تحسب في خانة اخطاء السيد رئيس مجلس الوزراء السياسية؛ واخطاء المنهج الذي يتبعه في التعامل مع مفردات العملية السياسية الديمقراطية، وعلى منهجه كقائد منتخب من برلمان من الشعب؛ والموقع الذي يحتم عليه العمل على ترسيخ افكار التعددية لا الفردية، وترسخ فيها مفاهيم التشارك السياسي ولا مفاهيم الغلبة والتغالب والاقصاء والتهميش والتباهي على الخصم السياسي او المزايدة عليه.
ولذا فأن مثل هذه التصريحات – ان كانت غير مقصودة بالجانب الذي فسرت به – فأنها تتطلب موقفاً تصحيحاً من السيد المالكي قبل غيره؛ وعليه وعلى جميع الاحزاب والسياسيين العراقيين الاعتراف بقوة الامة العراقية وتمكسها في حفظ البلاد من الانهيار او الانجرار في اتون الحروب الطائفية التي ساهمت الكثير من القوى السياسية في اشعالها، قبل ان تدعي بأنها براء منها في وقت لاحق.
الرسالة الاخرى والاكثر خطورة ً تلك التي بعث بها رئيس مجلس الوزراء وائتلافه الحاكم حينما رفض الاستجابة لدعوات الاستضافة في البرلمان العراقي لمناقشة تداعيات الوضع الامني وانهياره المستمر، فمنذ الاعلان عن تحديد موعد لاستضافة رئيس مجلس الوزراء العراقي لمناقشته، توالت تصريحات نواب ائتلافه بأن الدعوة غير ملزمة؛ وانه لن يحضر امام المجلس، وانه هو من يحدد المكان والزمان؛ والى ان بعثت امانة مجلس الوزراء بكتاب رسمي تتضمن اعتذار المالكي عن الحضور، وكذلك طلب اخر يتضمن موافقة المالكي على الاستضافة في مجلس الوزراء وبحضور قادة الكتل السياسية، وهذا الشرط الاخير اكبر اهانة ممكنة يمكن توجيها لكل نواب الشعب العراقي، فكل نائب عراقي هو قائد وزعيم كتلة بذاته اذ يفترض الدستور العراقي ان كل نائب يمثل مئة الف ناخب بقضهم وقضيضهم، فكيف يمكن اختزال البرلمان بمجموعة صغيرة من النواب؟
موقف رئيس مجلس الوزراء من البرلمان منذ بدء الدورة الانتخابية الحالية كان موقفاً متصلباً وفيه الشيء الكثير من الشد والتوتر بسبب حرص بعض البرلمانيين العراقيين على اداء دورهم الدستوري والرقابي، الامر الذي ازعج رئيس مجلس الوزراء كثيراً، و دفعه الى منع استجواب الكثير من الوزراء والمسؤولين بحجج متعددة، وبتغطية من المحكمة الاتحادية.
واذا كانت الامور في السابق تتعلق بقضايا فساد وتقصير، ويتم التغاضي عنها، فأن موضوع الاستضافة الذي طالبت به كتل برلمانية خطير ومهم لتعلقه بالدم العراقي، ومن حق ممثلي الشعب العراقي ان يسألوا اي جهة وأي طرف عن سبب هذا الخرق المتواصل في الجانب الامني، وليس من حق اي جهة مهما كبرت ان تعطل الدور المنوط لممثلي الشعب، ما دمنا ندعي الاحتكام للشرعية الدستورية ونحكم باسمها.
اعتقد ان ائتلاف السيد المالكي يعتقد ان طلب الاستضافة –كلمة حق يراد بها باطل – وفي هذا شيء كثير من الصحة لكنه؛ لا يبرر ان لا يجيب رئيس مجلس الوزراء دعوة ممثلي الشعب العراقي ويرد على اسئلتهم ما دامت الامور في نصابها الدستوري والقانوني، وما دام القائد العام للقوات المسلحة يملك من المبررات والحجج والادلة ما يمكن معه اقناع ممثلي الشعب واسكات المتصديين بالماء العكر، اما الخروج والرد بطريقة النائب ياسين مجيد وترديد نفس النغمة بألقاء تهمة الانفجارات التي تفتك بالعراقيين بقوى سياسية داخلية مدعومة اقليمياً دون الكشف عنها وتعريتها، او على طريقة النائب كمال الساعدي بأن الاستضافة تزامنت مع مؤتمر استثماري، وان عدم حضور الاستضافة لا يحتاج الى تبرير؛ فأنه سيعطي مبرراً لتمرد الكثير من المسؤولين في الوزرات والمحافظات على المجالس المنتخبة وسيفرغها من مضمونها وسيجعل منها مجرد هياكل لمنح الشرعية فقط.
مقالات اخرى للكاتب