ايام قلائل وسيُعلن الدكتور حيدر العبادي، كابينة وزارته الجديدة، التي أُشترط عليه أن تكون ذات قاعدة عريضة من الداعمين السياسيين لها، لأن الاميركان والقوى المتنفذة في العراق، تريد إعادة ادماج قوى سياسية سنية معتدلة في التشكيلة الجديدة للحد من ظاهرة التهييج السياسي الذي اتبعته الكتل السياسية (السُنية) بعدما اصر المالكي بحكومتيهِ على الاقلاع ضد مطالبهم التي بدت في بعض جوانبها واقعية، فيما بدا جزء منها على أنها شروط تعجيزية غايتها الاحراج لا الحل.
تأتي المحاولة الجديدة عبر تكليف العبادي كأنه تنفيذ للفقرة (ب) من الخطة الأميركية للوصول الى حكم متوازن للبلاد، عبر تمكين حزب (شيعي) معتدل كما يوصف في الادبيات السياسية العراقية مرة أخرى لارضاء الشيعة، وباطراف حكومية من السنة والأكراد، لادارة بلاد عجزت عقلية المالكي السياسية - أو لنقل رفضت - ان تتعامل ببراغماتية واقعية في احتواء الاطراف، والسير نحو تعزيز شكل الحكم بصيغته التي كادت أن تنجح في عام 2008، حينما اقدم المالكي على وضع قدمه على سكة التحول الى زعيم عابر للطائفية، لولا الظروف الاقليمية والمتغيرات الدولية والاستشارات غير الواقعية، التي اوقفت طموحه عند حد معين، ليعود بعد 2010 بكابينة وزارية متنافرة، انتهت بفشل ذريع لا نزال نعيش تداعاياته اليوم.
ولذا ينتظر من العبادي أن يكون رجل اطفاء لحرائق قديمة، وان يدفع اثمان خسائر لم يكن هو طرفاً فيها، سوى التضامن الحزبي الذي يجمعه بسلفه المالكي، فيما يتخوف مراقبون وسياسيون من اقدام العبادي على دفع الاثمان الباهظة لايقاف النيران المضطرمة، ولكن كالعادة من جيب غيره، حيث ستكون التسويات والتنازلات على حساب محافظات الجنوب فقط.
الجنوب العراقي وخصوصاً المثلث "الغني- الفقير"، وأعني البصرة- الناصرية – العمارة، لا يزال يعيش وطأة التهميش الحقيقي والابعاد الواضح من قبل القوى السياسية الكبرى، والتي يمكن أن نسميها بوضوح قوى التحالف الوطني التي تحتكر الجنوب كخزان انتخابي هائل، فيما يبدو أنها تتناسى دائماً أن ترمم هذا الخزان او تدفع له جزءا مما يدره عليها من عوائد هائلة.
في حكومتي المالكي الاولى والثانية تقلص تمثيل المحافظات الجنوبية الى حد كبير، فيما بدا لمحافظات اقل عدداً ونواباً في البرلمان حضور ملفت في الكابينة الوزارية السابقة، كالنجف وكربلاء وغيرها، الامر الذي اثار تساؤلات عدة لدى الناخبين حول سبب عدم توزير سياسي الجنوب، هل لنقص الكفاءة والخبرة كما قال رئيس احد الكتل السياسية في برنامج تلفزيوني مرةً؟ واذا كان ذلك صحيحاً فما هي الخبرات والكفاءات التي قدمها الوزراء من منطقة الفرات الاوسط التي تحتكر التمثيل الشيعي منذ 2003، أم أن الامر ينطوي على عقد تاريخية واستهانة مستمرة من قبل الأحزاب الشيعية الرئيسة تجاه الجنوب؟ الامر الذي احاول شخصياً رفضه، متذرعاً بأنها مجرد مصادفات لا غير، فيما يصير الكثيرون في الجنوب على أنها عملية اقصاء ممنهجة!
وفيما نختلف انا ومعارضوي على هذا، نقترب سريعاً من حسم خلافنا هذا عبر قراءة سريعة في تشكيلة حكومة العبادي المرتقبة التي ستنهي هذا الجدل، فقد انتصر انا صاحب الايمان المطلق بالمصادفات، أو قد يهزمني اصحاب نظرية المؤامرة الذين يؤكدون أن الجنوب مجرد خزان انتخابي وفوهات بنادق مزروعة عند تخوم الخضراء وغيرها!
مقالات اخرى للكاتب