بعد الفرصة التاريخية التي اتاحتها احداث ما سمي بـ(الربيع العربي)، انتهى الإسلام السياسي إلى وضع مجتمعاتنا أمام مأزق تاريخي، عندما وضع الشريعة نقيضا للأمة، وشرع ينظر إلى الناس بوصفهم موضع ريبة وشك ، وهم في الأصل مادة الدين وحاملوه. ان خطر التطرف الديني ، التكفيري الذي يحاول اليوم أن يعيد كتابة تاريخ الوطن والأمة ليبني تاريخاً أسطوري الأبعاد يقوم على الخطاب الانفعالي ويستنفر الصراعات ويشعل الفتن مستهدفا” تدمير النسيج المجتمعي واشاعة العنف و الفوضى والخراب ، عكس بشكل واضح لا يقبل الشك مساحة فشل الاسلام السياسي في استلهام الدروس والعبر من العمق التاريخي للدين ليتخذوه منطلقا” واساسا” للتعامل مع مستجدات السياسة المتسمة بالحداثة والمتغيرات السريعة المتأثرة بمستجدات الحياة الواقعية التي يعيشها العالم اليوم. ان المرحلة التاريخية التي باتت تفرض نفسها اليوم على الساحة السياسية والفكرية، أبرزت الكثير من القضايا الجديدة حول جدوى ونجاح الاسلام السياسي ، بعد طرحه كبديل لكثير من الأوضاع القائمة ولكن بأساليب تتناسب مع معطيات العصر وآلياته . وإذا كان الحضور الإسلامي بكافة صوره الرسمية والشعبية والفكرية مثل حالة أخذت في الاتساع والزيادة، بعد احداث الربيع العربي ، فإن حالة الرفض والسلبية التي تلقاها محليا” ودوليا” زادت حدّة ـ خاصة ـ في ظل الأحداث التي مرت بها المنطقة والعالم خلال السنوات الأخيرة، ووضعت “الفعل” الإسلامي في مقدمة الاهتمام ، والاتهام في نفس الوقت.. ولا تزال الاتجاهات والحركات والأفكار الإسلامية بل والإسلام ذاته تخضع ، إلى مزيد من النقد والتحليل والهجوم والقبول والرفض بل والعدوانية العملية والفكرية . ما يشكل فشلا” واضحا” لحركات واحزاب الاسلام السياسي وفهمها لصيغة حداثوية لشكل للنظام السياسي الإسلامي ، وهي قضية تثير الجدل والخلاف بين كثير من أصحاب الرأي والقرار والفكر سواء كانوا داخل بنية المجتمعات الإسلامية أم خارجها، ما دفع هؤلاء الى عزل هذا الجانب من الظاهرة الإسلامية المتجددة عن بقية الجوانب فيما سمى بـ(الإسلام السياسي) في محاولة للتفريق بين ما هو سياسي وما هو غير سياسي في الحياة الإسلامية، منطلقين من مواقف فكرية وسياسية أو تاريخية باعتبار أنه لا وجود لنظام سياسي إسلامي ، أو أنه في أحسن الأحوال كان هذا النظام صالحاً لمرحلة تاريخية معينة . فالخلاف لايزال مثار جدل واسع بين حركات الاسلام السياسي نفسها حول عدد من النقاط من ابرزها ، المشاركة السياسية بين رافض وموافق ومشترط ، كذلك حكم دخول البرلمانات والمجالس النيابية ، ومشروعية دخول المرأة للحقل السياسي ، والعلاقة مع الآخر، سواء كان الآخر القريب داخلاً في المجتمع الإسلامي أم الآخر البعيد عنه ،فضلا” عن الموقف من الدولة المدنية أو ما يسمى احيانا” بالعلمانية . كل ذلك وغيره من المسائل ، مازالت مثار خلاف وجدال وحوار بين الباحثين والمجتهدين ورجال الفكر والسياسة داخل المجتمعات الإسلامية، وإذا كانت بعض القوى والتيارات الإسلامية قد حسمت أمرها في مثل هذه القضايا إلا أن غيرها مازال مشتبكاً معها دون حسم مما يتطلب دراسة وبحث واجتهاد جديد. إن الباحث في النظام السياسي الإسلامي يجد غلبة “التاريخية” عليه أكثر من غلبة “الشرعية” أو “الدينية” مما يتطلب معالجة جوانب هذه “الغلبة” والعودة بهذا النظام إلى نسقه الطبيعي الذي يجمع بين أصوله وفروعه ، بما يوحد الامة الاسلامية ويزيد من منعتها وقوتها. ولما كان النظام السياسي في حياة البشرية ، قد ارتبط بالتاريخ أكثر مما ارتبط بالنصوص، وليس ذلك حكراً على دين دون آخر، أو ملة دون غيرها، أو شعب دون سواء، بل هو نسق عام شمل مختلف الأزمنة والدول والبيئات ، ومن ضمنها النظام السياسي الاسلامي المعاصر الذي ما زال منظروه وقادته مثقلين ، بفهم واجتهاد ، يجعلهم ويدفعهم الى النظر وفهم التاريخ الاسلامي بشكل يمنعهم من التحرك والانطلاق ، بما يجدد من مسيرته نحو التطبيق المعاصر، نحو الحداثة والمعاصرة وتخطي حاجز التاريخية .
مقالات اخرى للكاتب