يحكى إن في ليلة من ليالي الشتاء عام 1957 ، كان رئيس الوزراء العراقي نوري سعيد يتجول في شارع غازي مع سائقه ، توقف عند مقهى صغير لبيع الشاي ، وكان هذا المقهى مكتظ بالمخمورين ، انتبه احد المخمورين ونظر إلى إليه وصاح بصوت عالي ( أنت نوري سعيد القندرة ) تَف عليك، فأراد صاحب المقهى وسائقه إن يضربا المخمور ، والظاهر أنه بدون حماية ليس مثل هذه الأيام ، ولكن نوري سعيد منعهما من ذلك ، وقام بإدخال يده بجيبه واخرج منها ثلاثة دنانير في ذلك الوقت ، ليس مليارات لشراء بعض المخمورين من أعضاء مجالس المحافظات والنواب لغرض تشكيل الحكومات المحلية أو تكوين الأغلبية السياسية لتشكيل الحكومة الاتحادية ، وأعطاها إلى المخمور . غادر نوري سعيد ( الباشا ) المقهى ، وكان سائقه غاضباً ، وقال : باشا ( ليش ما خليتني أدب الرجل المخمور ) ؟ فأجاب الباشا : ( ابني هذا سكران وما عليه حرج .. لو أنت ضربته وجرجرناه إلى التوقيف .. راح يسألوه : ماذا فعلت ؟!! سوف يقول : تفلت بوجه الباشا ... ويصير هو بطل .. واني أنفضح .. هسَ راح بهوس بالطرف ويقول : تفلت على الباشا وإعطاني ثلاثة دنانير .. راح يقولون له .. امشي .. جذاب .. أبو العرك .
فإما أكثر المخمورين هذه الأيام في مقهى ائتلاف دولة القانون الذين همهم التصريحات الإعلامية المخمورة . فقد وجود أحد النواب من ائتلاف دولة القانون زعيمه يزور السيد عمار الحكيم لتباحث بأمور تخص البلد وبالأخص دعم التحالف الوطني كمؤسسة ، وتشكيل الحكومة على أساس الفريق القوي المنسجم ، فلما رأى وسمع هذا الخبر ، طار المفرح ، وقال : هذا الخبر هو الذين يوصلنا إلى الولاية الثالثة . أعلن إن ائتلاف دولة القانون لديها حوارات معمقة وحقيقية وجادة مع المجلس الأعلى بشأن تولي نوري المالكي ولاية ثالثة ، وانه سيتم التوصل لاتفاق معهم خلال اليومين المقبلين ، وهدد الكتل التي لا تنسجم مع مرشح دولة القانون لرئاسة الوزراء فلتلجأ للمعارضة ، إن مثل هكذا سياسي مخمور لا يحتاج احد إن يرد عليه ، لأنه ليس عليه حرج .. وان رد عليه سيقول : عندنا 175 صوتا ً تحت الإبط .. نقول له : اذهب وشكل حكومتك .. ونحن هنا معارضون .. فما بالكم لا تفعلون ؟!!!
أن الشجاعة ليست بالتصريحات غير الصحيحة البعيدة عن الالتزام الأخلاقي والمهني والشرعي ، بمحاولة لتشويش على الشعب أولا وعلى الكتل السياسية وتحالفاتها ثانياً ، عسى منه أن يكسب بعض الدنانير كما كسبها المخمور ، أسف بعض الأصوات المتفرجة على المشهد السياسي والتي واقفة تنظر من تميل له الكفة لتكون معه ، دون إن تحزم موقفها بصورة نهائية .
إن قول الحقيقة وأنت في كامل الوعي والانتباه هي الشجاعة الحقيقية ، وليست الشجاعة أن تكذب في الإعلام بتصريحات ليس لها أي وجود عدا في خيال المخمور ، وبعد التصريح تجد نفسك في حيرة من أمرك . كما فعل المخمور اتجاه الباشا نوري سعيد ليجد نفسه انه أصبح بطلاً قومياً بتصرفاته التي فعلها ، ولكن وجد أمامه أدهى منه بالتصرف والحكمة . فأن على الكتل السياسية أن تكون أدهى بالتصرف والحكمة من المخمورين في ائتلاف دولة القانون حتى لو ذهبوا إلى الآخرين وتحدثوا بأنهم فعلوا كذا ... وكذا .. فسوف يقولون لهم كما قالوا إلى المخمور ... أمشي ... جذاب ... أبو العَرك .
مقالات اخرى للكاتب