هناك ثمة أجماع من أن الجامعات تعمل على تحقيق جودة عالية في مجالي التدريس والبحث العلمي لكن من الصعوبة بمكان أعطاء تعريف دقيق للجودة خاصة مايتصل بماهيتها وكيفية قياسها كما تعكس ذلك بعض الوثائق المهمة الخاصة بضمان الجودة quality assurance لأن الجامعات تقدم تفاصيل كثيرة حول كيفية ضمان الجودة، مع ذلك لاتوجد أشارة محددة حول ماهية (الجودة) وتعريفها. ونحن نلاحظ على سبيل المثال في الوثيقة الموسومة (معايير ومؤشرات ضمان الجودة في مجال التعليم العالي في أوربا) التي أصدرتها الرابطة الأوربية لضمان الجودة في التعليم العالي في عام 2005 عدم ورود أي تعريف أو وصف للجودة أو تحديد للمعايير الخاصة بها. وفي الموقع الألكتروني الخاص ب(مجلس الجودة للجامعات الأيرلندية) IUQB صفحة عنوانها (تعريفات مفيدة لضمان الجودة) ، غير أن (الجودة) لم تعرّف في هذه الصفحة أيضا! من جانبها تقدم (وكالة ضمان الجودة البريطانية) QAA ماتزعم أنه تعريف ل (الجودة الأكاديمية) فتقول أنها (تعبير شامل يشير الى كيفية تعامل المؤسسات المختلفة مع فرص التعليم والتعلّم بهدف مساعدة الطلبة على تحقيق التقدم والنجاح). هنا نطرح السؤال الآتي: هل هذا تعريف واضح للجودة؟ مرة أخرى نستغرب مثل محاولة التعريف هذه لكونها صادرة من مؤسسة تربوية تكرس جهدها بأكمله لمراقبة الجودة ومتابعتها وتحسينها ومع ذلك تقدم تعريفا فضفاضا لها! جلست ذات مرة ا في حفل غداء الى جانب أستاذ جامعي متمرس يعمل في وكالة ضمان الجودة البريطانية لمدة عشر سنوات. وحين سألته عن ماتعنيه (الجودة)أبدى أمتعاضه لمثل هذا السؤال (الذي لايتصل بالموضوع) واشار الى أن المؤسسات ذاتها هي التي تقرر طبيعة الجودة وفق توجهاتها أما واجب أشخاص مثله فينحصر في متابعة تحقيق الأهداف المنشودة. ويبدو مثل هذا الأمر معقولا في جانب منه ، لكن أذا كان الأمر بمثل هذه البساطة فأن المؤسسات يمكن أن تضمن جودة عالية المستوى من خلال وضع تطلعات متواضعة للغاية ومن ثم العمل على تحقيقها أو حتى تجاوزها!
على أن هناك أشكالية ذات صلة بالموضوع لأن أفتقادنا الى تحديد أو تعريف واضح جدا للجودة ربما يدفعنا خارج هذه (المعضلة) من خلال التركيز الكلي على عملية الجودة ، فنحن على سبيل المثال لايمكن أن نقول أن ماتقوم بتدريسه يندرج تحت عنوان (الجودة المتميزة) لكننا يمكن أن نتسائل ماأذا كنت قد ألتزمت ب (الخطوات العشرين المقررة) حين قمت بتطوير البرنامج وانك تقوم بأحصاء اجابات الطلبة على أستبيان التغذية المرتدة.
غير أن مثل هذا الأمر يمكن أن ينطوي على مشكلة فأذا كان تميزك يقاس على اساس مدى رضا الناس على العمليا ت التي تقوم بها فأن من صالحك أن تقوم بعمليات شاملة ومراقبة صارمة. واذا كان مثل هذا المفهوم يتطابق مع مفهومك عن الجودة فأنه يتعين عليك عندئذ أن تتجنب الأبتكار innovation لأنه ربما ينبيء بالمخاطرة وربما يفشل في بعض الأحيان أو أنه ربما لايثير حماس أولئك الذين يستخدمونه في البداية ، لذا من الأسلم أن تبقي على منهجك الحالي مع التأكد أن الأمور تجري على مايرام.
خلاصة الأمر أن ضمان الجودة يرتبط بالعملية process لكن ينبغي أن نعي أن (الجودة) لابد أن تتصل بالمحتوى والأبداع الفكري. وأذا كنا نتطلع بجد لتحقيق نظام تعليم عال ذي جودة متميزة فأنه يتعين علينا أن نطرح أسئلة تتعلق بالمحتوى مع ضرورة تحاشي المجازفة في أطلاق أية رؤية حول وجود طريقة معيارية واحدة لقياس ذلك.

بقلم: فرديناند فون بوندزنسكي Ferdinand von Pondzynsky

ترجمة: هاشم كاطع لازم  أستاذ مساعد جامعة البصرة – كلية الآداب