أطلق العاهل الأردني الملك عبد الله في العام 2004 تحذيره من "هلال شيعي" في المنطقة يبدأ من ايران ويمر عبر العراق وسورية ولبنان، لكن عمّان المأخوذة بخشيتها من النفوذ الإيراني المتنامي في المنطقة بشكل غير عادي، لم تكن تتوقع أن تحاط بهلال من نوع آخر أكثر رعبا، وهو تنظيم "داعش" الذي بدأ يقضم الأراضي قضما في كل من العراق وسورية، مهددا كلا من لبنان والأردن بهجوم مماثل.
قاعدة العراق التي بدأت بما كان يعرف "قاعدة الجهاد في بلاد الرافدين" والتي تزعمها الأردني أبو مصعب الزرقاوي (قتل في 2006)، وتطورت إلى "الدولة الإسلامية في العراق والشام (داعش)" بزعامة أبي بكر البغدادي، استفادت كثيرا من "الفوبيا السنية" المدعومة ببروباغاندا عربية مهووسة، غذّتها السياسات غير الحكيمة لحكومة المالكي خلال الفترة الماضية.
إسقاط منفذ طريبيل الحدودي بين العراق والأردن على يد "داعش" الأسبوع الماضي قبل أن تستعيده القوات الأمنية المدعومة من العشائر، دق ناقوس الخطر بالنسبة للأسرة الهاشمية التي تحكم الأردن منذ عقود، ويعاني شعبها من فوارق طبقية واقتصادية كبيرة، في ظل وعيها التام بأن استقرار البلاد وسط محيط مضطرب يحتاج إلى معجزة، لكن التظاهرة التي خرجت في 20 حزيران الماضي، بمدينة "معان" شديدة البداوة تحديدا، والتي رفعت رايات "داعش" السوداء، بالإضافة إلى لافتات كبيرة كتب عليها "جمعة نصرة الدولة الإسلامية في العراق والشام"، و"معان فلوجة الأردن.. تنصر دولة الإسلام"، و"نبارك للأمة الإسلامية بالفتوحات العمرية التي منّ الله بها على الدولة الإسلامية في العراق والشام"، كشفت بما لا يقبل الشك عن وجود حضن دافئ لهذا التنظيم المتطرف.
أما حين يبدأ داعش بدخول الأراضي الأردنية، عبر تلك الخلايا الحالمة بدولة الخلافة، وقيام أعيان القوم في بعض المناطق بإعلان البيعة لأبي بكر البغدادي، فان الأمر سيؤذن ببدء العمليات العسكرية ضد المفارز الأمنية الأردنية الحدودية، وبالتالي إسقاط القرى والقصبات البعيدة، تمهيدا لقضم الكبير منها، خصوصا "معان" التي تتعرض منذ فترة إلى مداهمات أمنية بسبب اتهامها بإيواء خارجين على القانون.
وحينها لن يكون من المعلوم أن يظل التيار السلفي وزعيمه أبو محمد المقدسي (عصام البرقاوي) الأب الروحي للزرقاوي ثابتين على موقفهما الرافض لتمدد "الدولة الإسلامية" إلى الأردن.
إن المتتبع لتطور الأحداث سوف لن يجد في ذلك السيناريو أية استحالة بالنسبة لتنظيم "داعش" المدفوع بزخم "الفتوحات السريعة"، لكن السؤال الأبرز، هو هل أن ذلك سيحصل فعلا أم أنه مجرد أوهام، في ظل الارتباط الوثيق بين أمن الأردن وإسرائيل، إلى درجة أكدت مصادر أميركية قبل أيام، أن تل أبيب “مستعدة للتدخل العسكري في الأردن، في حال تعرضت الأخيرة لهجوم عسكري من قبل مقاتلي “تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام".
الشيء الذي علينا فهمه الآن هو هل أن الكابوس الذي يعيشه الأردن اليوم، سيجعله مضطرا للقبول بـ"هلال شيعي" مهلهل، متمثل بنظام الأسد الجريح، وحكومة المالكي المثلومة، وحزب الله المنهك من القتال في سورية، على أن يحاط بغول "سني متطرف" سرعان ما قد يجد له بالداخل أعوانا وأنصارا؟ خصوصا لو أن الولايات المتحدة وإسرائيل لم تسارعا للتدخل في حمايته، وأن الأخيرة اكتفت ببناء جدار فاصل على طول حدودها معه فقط، فضلا عن الحفاظ على تواجدها العسكري على طول هذه الحدود، كما وعد رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بذلك.
الجواب سيكون صعبا في ظل تغير المعادلة، وانتظار ما ستؤول إليه الأمور التي قد تتطلب تغييرا في إستراتيجية المملكة، وقد نسمع الجواب في قادم الأيام من القوى السنية العراقية التي تتخذ من عمان مقرا لها، من خلال إعلان موقفها من حكومة عراقية مرتقبة، ورفضها لإقليم.
مقالات اخرى للكاتب