الروائح تبعث الطاقة في الذاكرة ، وتستفزها ،
تستعرضها مثل شريط سينمائي ، وتحررها من الإهمال .
فتضعك في لحظة انقطاع تام عن عن الزمان والمكان .
لقد أعادتني رائحة العنبر المتصاعد من قدر الطعام للوراء كثيراً ، الى مواقف اتذكرها تماماً وأخرى تحاول ذاكرتي ان تقتحم أطواق نسيانها ، تحاول أن تستجمع كل مفاتيحها .
أكاد أن أسمع الأصوات المتصاعدة والمتداخلة من يوتيوب الذاكرة .
أكتب في خانة البحث "يُمّه " فتأتيني النتائج .
أختار مقطعاً قديماً بالأسود والأبيض ، كنت أجلس فيه بالقرب من أمي [رحمها الله] ورائحة العنبر تتصاعد من قدر الطعام لتختلط برائحة الأمومة التي تملأ الدار ، كنت مستعجلاً وجائعاً لكن الطعام مازال حاراً ، ترفع كمية قليلة من تمن العنبر بالچفچير وتضعها في ماعون لتبريدها .
أتذكر جو المحبة والسعادة الذي كان يحيط بالمكان مشفوعاً برائحة العنبر التي لا تشبهها رائحة.
ينقلنا ميخائيل نعيمه في روايته "مذكرات الأرقش " لعلاقة مشابهة بين الذاكرة والرائحة ، فحين لم يستطع شكيب أن يقاوم رائحة العطر الذي شمه في لحظة ما ليصفه بالقول "كأنهُ الكلمة الضائعة في تلافيف الدماغ " ، ويستمر شكيب بوصف الرائحة "لعلها تفتح الباب المغلق عليها في دماغي ،ولعل ذلك الباب اذا انفتح انفتحت من بعده ابواب وابواب ،لا أدري لماذا رحت أشعر في هذه الأيام ان في رأسي أبواب كثيرة موصدة ولكنها على وشك أن تنفتح " .