المسيح يقول: إذا تعلقت بالحياة فسوف تخسرها؛ إذا حاولت أن تحتفظ بالحياة فلن تحصل عليها. نستنتج أن الطريقة الوحيدة للحصول عليها هي أن تخسرها، إنه تغير داخلي. إنه استعداد لموت الأنا. فما إن ينغلق باب الأنا، حتى ينفتح باب آخر هو الخلود.بنفس الوقت، لا يمكن أن تحصل من الله على شيء حتى تموت !.
لكي يتفجر أرقى وعي في داخلك، عليك أن تتوقف عن الحكم على الأشياء والناس لأنها من عمل بعيد الأفق ومعرفته تشغل الإنسان وتجعله في متاهة. إن الحكم يشكل حاجزا، فأن تطلق الأحكام ليس أمرا عاديا، لأن الحكم يصبح عادة لا يمكن أن تساعد على تفجر وعيك. الفكر يأتي من الماضي، أما الوعي فليس كذلك، لأن الوعي يأتي من هذه اللحظة. الفكر زمن، أما الوعي فهو شيء أبدي. الفكر ينتقل من لحظة الى أخرى بشكل أفقي، هو أشبه بالقطار؛ مجموعة عربات موصولة ببعضها البعض. الماضي والمستقبل هما كالقطار، أي مجموعة عربات موصولة ببعضها بشكل أفقي. أما الوعي فهو عامودي الشكل: لا يأتي من الماضي، ولا من المستقبل. الوعي يسقط في هذه اللحظة شاقوليا في العمق، أو يصعد شاقوليا الى الأعلى.
هذا هو مغزى وجود المسيح على الصليب. الصليب ليس سوى تمثيل، أو رمز للالتقاء خطين: أفقي ورأسي. إن يدا المسيح تمتدان أفقيا، وجسده راسيا. فما هو المغزى؟. المغزى هو أن الفعل يحصل في إطار الزمن، أما الكيان فيتخطى الزمن. لقد صلب المسيح ويداه في وضع أفقي، أي زمنيا. الفعل زمنيا، والتفكير فعل: هو عمل العقل التي هي أيضا عمــــل زمني. إنه من الجيد معرفة أن الأيدي هي الجزء الخارجي من الدماغ، فالأيدي والدماغ شيء واحد. إن كل فعل، سواء كان ماديا أو عقليا، فهو يخضع للزمن، أما كيانك فهو شاقوليا: يمتد الى الأعلى والى الأسفل، وليس بشكل جانبي. عندما تطلق حكما، فتصبح محددا أكثر فأكثر بالاتجاه الأفقي.. وإلا فكيف ستحكم؟. بما أن المحاكمة تحتاج للماضي، فهل يمكنك أن تطلق حكما دون أن تقحم الماضي فيه؟ إذن كيف ستحكم؟ ومن أين ستحصل على المعيار؟. في تلك اللحظة لن يكون الشخص جميلا ولا قبيحا لتحكم عليه، وتكون كل المحاكمات قد اختفت. إن ما سيكون موجودا هو اللغز المجهول. اللغز الذي لم تتم تسميته، لم يتم الحكم عليه.
في تلك اللحظة من عدم الحكم: تصنع زهرة الاحترام ومعرفة حدود الذات والآخر. عندما تنظر الى شخص وتشاركه من دون محاكمة، سواء كان جميلا أم قبيحا، جيدا أو غير جيد، وتنظر إليه أولا من دون محاكمة، سيحصل اللقاء فجأة، ويحصل اندماج للطاقات الخلاقة. هذا الاندماج الذي تؤكد عليه النواميس كلها، انه انسنة الذات البشرية المتعجرفة ومحاولة إعادتها الى الحظيرة الآدمية الطينية الأولى بدون متعاكسات الدين والطبقة والعصبية. عاش عليها السيد المسيح بدون حكم غيابي أو حضوري، الى 2016 الى أن يحكم الله بيننا: فقط صلاحيته هو ونحن واجبنا تعمير الأرض والنظر الى ملكوت السماء، ماذا يرضي الرب صاحب المحكمة النهائية، بعد قيام الساعة التي علمها عنده فقط.
لذلك، حينما وقف السيد المسيح ينظر الى جمهرة من الناس يريدون ضرب بغي من البغايا بالحجر. انتابه العجب لكون كلهم أصبحوا حكاما ! قال لهم: من كان منكم بلا خطيئة فليرمها بحجر. الجميع وضعوا أحجارهم على الأرض وذهبوا بعيدا من خجلهم.
هكذا نحن، لوثنا الحياة ونريد القصاص احدنا من الآخر، وننتظر المصلح ليخلصنا من شر أنفسنا، لكن، إذا حضر المسيح وحكم بيننا، لهالنا العجب من تزاحم البغاة الذكورة الذين سترجمهم البغايا الإناث.
مقالات اخرى للكاتب