أعادت دراسة طبية حديثة قضية «مقاومة الجسم لمفعول الأسبرين» Aspirin Resistant كأحد العوامل التي ترفع من احتمالات خطورة الإصابة بحالات شديدة وكبيرة من السكتات الدماغية Stroke. ووفق ما أعلنته الأكاديمية الأميركية لطب الأعصاب American Academy of Neurology لقائمة مجموعة الدراسات الطبية التي سيتم عرض نتائجها ضمن فعاليات مؤتمرها السنوي المقبل في أبريل (نيسان) بواشنطن العاصمة، لاحظ الباحثون من جامعة سول أن وجود حالة «مقاومة الأسبرين» لدى الشخص تعرضه لاحتمالات الإصابة بنوعيات شديدة وكبيرة من السكتات الدماغية.
وأفاد الباحثون أن الأطباء غالبا ما يصفون، كوسيلة وقاية، تناول جرعة يومية منخفضة من الأسبرين Low - Dose Aspirin للأشخاص الذين لديهم بالأصل خطورة عالية للإصابة بالسكتة الدماغية، وذلك ابتغاء منع حصول التجلطات الدموية التي تتسبب بسد الشرايين الدماغية ومن ثم السكتة الدماغية. وتبين للباحثين أمران مهمان في دراستهم، الأول أن نحو 28 في المائة ممنْ شُملوا في الدراسة لديهم حالة «مقاومة الأسبرين»، والثاني أن هؤلاء الأشخاص عُرضة أكثر من بقية متناولي الأسبرين للإصابة بسكتات دماغية أشد وأكبر.
وعلق الدكتور ماي سين أوه، الباحث الرئيس في الدراسة وطبيب الأعصاب في كلية الطب بجامعة هاليام في سول، بالقول: «مقاومة الأسبرين عنصر توقع مهم للإصابة بحالات أشد وأكبر من السكتات الدماغية لأولئك الأشخاص الذين يتناولون الأسبرين للوقاية منها». وأضاف أنه لا يُعرف على وجه الدقة سبب نشوء حالة مقاومة الأسبرين في الجسم، وتشير نتائج الدراسات الطبية حول هذا الأمر إلى أن انتشار هذه الحالة يتراوح ما بين 5 إلى 45 في المائة بين متناولي الأسبرين. والأطباء لا يُجرون تحاليل أو فحوصات بشكل روتيني لمعرفة ما إذا كان لدى الشخص تلك الحالة أم لا. وقد لاحظنا في الدراسة أنها لدى 28 في المائة من المرضى، وهو ما يفرض أن الأشخاص الذين لديهم بالفعل حالة مقاومة الأسبرين يتعين عليهم أن يتناولوا أنواعا أخرى من الأدوية التي تعمل على الحيلولة دون حصول الإصابة بالسكتات الدماغية، وثمة أدوية أخرى يُمكن أن تكون بديلا للأسبرين لهذه الغاية.
والأسبرين بالفعل دواء رائع، وبدايات إنتاجه كانت كمستخلص من لحاء سيقان أشجار الصفصاف في عام 1763. ثم تم استخلاص المادة الفاعلة، أي مادة حمض السليسيت، من عصارة اللحاء تلك في عام 1897 بواسطة شركة «باير» الألمانية للأدوية، ولذا يتم استخدامها طبيا منذ أكثر من قرن كخافضة للحرارة ومسكنة للألم.
ومنذ منتصف القرن الماضي لوحظ أن الأسبرين مفيد أيضا في منع ترسب الصفائح الدموية بعضها على بعض، وبالتالي منع تكون خثرة أو تجلط الدم داخل أو خارج الأوعية الدموية، ومن ثمّ تم توظيف هذه الخاصية في الوقاية الأولية والوقاية المتقدمة لأمراض الشرايين القلبية مثل الذبحة الصدرية ونوبة الجلطة القلبية، وأيضا في الوقاية الأولية والمتقدمة لأمراض الشرايين الدماغية كالسكتة الدماغية. وخلال العقدين الماضيين بدأت تظهر ملاحظات طبية حول عدم عمل الأسبرين بشكل كفؤ في هذه الجوانب الوقائية، وهو ما أثار مجموعة من الدراسات والبحوث الطبية لاستقصاء أسباب ذلك.
وضمن التفسيرات التي ثبت صحتها تبين أن ثمة حالة تنشأ في الجسم تتسبب بمقاومة عمل الأسبرين، وبالتالي عدم استفادة الجسم منه في تلك الغاية الوقائية لمجموعة الأمراض الشريانية المهمة تلك، سواء في القلب أو الدماغ. وتم تأكيد وجود حالة مقاومة الأسبرين عبر التحاليل في المختبرات إضافة إلى المشاهدات الطبية الواقعية على متناوليه من المرضى. وخلال الفترة ما بين 1993 و2009 صدرت أكثر من 120 دراسة طبية وبحث حول هذا الأمر، 52 منها كانت حول مقاومة الجسم للأسبرين وحالات السكتة الدماغية. والأسبرين اليوم أحد أكثر الأدوية استعمالا في العالم، وعلى سبيل المثال في الولايات المتحدة، يتناول ثلث البالغين هذا الدواء بشكل يومي، ويصل الإنتاج العالمي لأقراص الأسبرين إلى 10 مليارات قرص سنويا. وهو يُستخدم إما لخفض الحرارة أو تسكين الألم أو للوقاية من أمراض الشرايين القلبية أو الدماغية أو لغايات طبية أخرى مفيدة.
وحالة مقاومة الأسبرين هي من الحالات التي تتطلب العمل على إيجاد وسائل فحص بسيطة يُمكن من خلالها معرفة وجود هذه الحالة لدى المريض أو عدم ذلك، لأن العمل على منع حصول تداعيات أمراض الشرايين القلبية أو الدماغية يتطلب التأكد من جدوى وسيلة الوقاية المستخدمة، ولا يجدر أن يُبنى على وسائل محتملة الفائدة أو تلك التي لا فاعلية لها في الجسم.
مقالات اخرى للكاتب