البشر يسعى للقوة ويرغب أن يكون أسدا في غابة الحياة!
والأسد رمز القوة والسيطرة والهيبة , على الأقل في الوعي البشري الموروث على مر العصور والأزمان. وعندما يكون البشر في موقع القوة , أي يمتلك السلطة والحكم ويتحرر من المساءلة والحساب , يصبح أسدا.
وفي التأريخ عندما يمسك الحكم فرد ما , ويكون هو صاحب الصلاحيات والقرارات المطلقة , يتحول إلى أسد , لكنه سيخضع لآليات الترويض اليومية من قبل الذين حوله , أو مَن يسمون معاونيه أو حاشيته.
وبعضهم قد يكون مملوكا ومروضا من قبل فرد , كوزيره الأول أو نائبه وبعضهم يكون مُلكا لجارية أو لإبنه أو لزوجته , وغيرهم من أصحاب التأثير والترويض النفسي والفكري والسلوكي لذلك الأسد الحاكم , والذي يعيش في عالم آخر , ومملكة معزولة عن الواقع الحقيقي للحياة البشرية.
وفي التأريخ دروس وأمثلة كثيرة لحالات كهذه , حيث يتحول الحاكم إلى موجود يتم صياغته وفقا للقوة المؤثرة فيه, وقد تكون فردية , حزبية , فئوية أو عاطفية.
وفي زمننا المعاصر سقط عدد من الأسود ذات القوة المطلقة بسبب مَن حولهم , كزوجاتهم وأولادهم ووزراءهم المفضلين وآخرين , لأن هؤلاء روّضوهم لتحقيق مصالحهم ومنافعهم وحسب.
ومشكلة الأسد المروّض أنه إذا تم مواجهته بالحقيقة يرفضها , وينشب مخالبه في قلب قائلها , ولهذا يتم تقديم أطباق الأكاذيب والخداعات إليه , حتى يسقط مضرجا بدمائه , وقد نشب مخالبه في قلبه هو.
وهذه معادلة سلوكية , تهيمن على العناصر المتفاعلة في مراكز القوة البشرية , خصوصا في المجتمعات المتأخرة , التي تروضت على الإذعان والإستسلام للقوة القاهرة المتحكمة فيها على مرّ الأجيال.
وبذلك تراها في إضطراب وعدم إستقرار , وعند غياب تلك القوة المروضة الفاعلة فيها , تعجز عن الوصول إلى صياغة سلوكية نافعة للجميع , وإنما تلجأ إلى التناحر والتصارع الدامي.
بينما المجتمعات المتقدمة , قد أدركت خطورة الأسد الرابض على الكرسي , والخاضع للترويض المتنوع لتحقيق الأغراض الخفية للآخرين من حوله.
وأعلن هذا المجتمع أن السيادة والقوة للدستور والقانون , وأن الحاكم لابد له أن يلتزم بالمعايير والضوابط , التي تحدد مقدار القوة التي يمتلكها ويتصرف بموجبها , ولهذا تقدمت واستقرت.
أما المتأخرة فأنها لازالت تدور في متوالية المتغيرات المتماحقة , التي تدفعها إلى المراوحة في ذات المكان أو التدحرج إلى الوراء وحسب.
فهل سنتعلم رياضة التفاعل الوطني الصالح , ونتحرر من نوازع ترويض الأسود القابضة على السلطة , لكي نكون كما يجب أن نكون في زمننا المعاصر؟!!
مقالات اخرى للكاتب