القرية تختلف عن الناحية في مجالسها وفي دواوينها وفي احاديثها حتى في وجعها هي تختلف .. وكذلك الناحية تختلف عن المدينة في كل ذلك .... ففي قريتي لنا ديوان نلتقي فيه كل ليلة ونتجاذب فيه اطراف الحديث وبكل حرية وطبعا غاليا مايكون مائدة الحديث هو الشأن السياسي فكان حديثنا هذه الليلة عن وجع الامس وعن ذكريات الخوف والقلق...كيف كان النظام المقبور يراقب المجالس . وكيف يتم التنصت والسطو عليها ؟ وكيف كان طالب الكلية يجبر على الالتحاق الى معكسرات الطلبة ومن يتخلف عن ذلك يرقن قيده .. وذكرنا نماذج من احبتنا حصل معهم ذلك .. وكيف كانت تحارب طقوسنا الدينية لاسيما ايام شهر محرم الحرام حيث كان زبانية البعث ينتشرون على المجالس الحسينية وماذا كانوا يفعلون من قطع الصوت واعتقال الخطيب وصاحب االمجلس واستذكرنا حوادث عدة من هذه الاساليب الفاشستية القذرة وكيف كنا نساق مرغمين الى قواطع الجيش الشعبي وكيف كانت معسكرات جيش القدس تسرق اعمارنا وتهدر بزمننا المبتلى وكيف كان اسلوب الاعدامات تمارس وتترى حتى يمنعون علينا اقامة الفاتحة على ارواحهم الطاهرة حينها تذكرت وجع عمي وهو يدفن فلذة كبده في مقبرة النجف بعد ان اجبر من كلاب مديرية الامن العامة بأن يبصق على جثمان ولده حتى يستلمه للدفن بعد ان دفع ثمن رصاصات الاعدام كما تذكرت نواح خالتي على ابنها البكر بعد أن ضيعته غياهب السجون الصدامية ولم نعثر عليه الا بعد السقوط في المقابر الجماعية كما تذكرت خالي وأبن خالي كيف حصدتهم ادوات الموت الصدامية لم اتمالك نفسي حتى اجهشت بالبكاء دون شعور مني حيث عادت بي الذاكرة الى رعب الصراخ الجنوبي أأأأأأأأأأأأأأه من الصراخ الجنوبي .... !! حينها ادركت اننا لم نشكر النعمة التي نحن فيها الان رغم كل المساوئ التي رافقتها .. و هكذا تحدثنا عن الغصص والقصص التي رافقت اعمارنا الغضة ونحن نساير منهج دكتاتوري لم تنجب الارض مثيلا له على الاطلاق ... تذكرنا وتذكرنا الدموع والبكاء والنواح والخوف والقلق والجوع والفقر ً ... وكلما اردنا ان نستحضر موقف ايجابي لذلك النظام المقبور فز واحد من بيننا صارخا وهل لمثل هكذا نظام موقف مشرف ياناس حتى يذكر ... نعم والله انه ابشع واقذر نظام عرفته البشرية ... لكن المؤلم ان ابناء ذلك النظام هم حكام هذا الزمن وهم مدراء مؤسسات دولة وهم من يُسيرون حياتنا اليوم ... يقينا ان البعث هو سلوك وليس بالضرورة ان يكون انتماء ...فمن يمارس كتابة التقارير فهو بعثي ومن يعمل مخبرا سريا فهو بعثي ... فكل سلوك شاذ هو يتصف بالبعث ... طبعا مجلسنا الليلي هذا يضم الاستاذ الجامعي والمدرس والمحامي والمعلم والموظف والكاسب ... فكل هؤلاء اجمعوا ان خلاص البلد من الويلات هو السعي الجاد لتخليصه جذريا من ثقافة البعث الصدامي ... حتى ننعم بصدق بلحظة التغيير التي انتظرناها طويلا بدموع الصبر والويلاه.....!
مقالات اخرى للكاتب